نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

شركة كسابري للتجارة و الصناعة

شركة كسابري للتجارة و الصناعة
شركة كسابري

Wednesday, August 27, 2025

الأفاعي في فلسطين أعداء خُبَثاء أم شطر مهم من التوازن البيئي؟

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



"كان يا ما كان، في قديم الزمان، في يوم شتوي بارد، خرج راعٍ فقير يرعى الغنم بين الجبال، وفي المساء عثر قرب صخرة على أفعى متجمدة برداً، فقال في نفسه: "مسكينة هذه الأفعى، كيف لي أن أتركها تموت وبمقدوري مساعدتها؟".

فمسح عنها الوحل، ووضعها بين ملابسه في صدره؛ ليدفئها، ومضى نحو قريته، باله مشغول بالأفعى المتجمدة.. وصلت حرارة جسده إلى الأفعى، فتحركت الدماء في عروقها، ودبّت الحياة فيها، وما إن وجدت نفسها محاصرة داخل صدره حتى سارعت للدغه بقوة، مرات عدة!

سقط الرجل أرضاً، وقال وهو يتلوى ألماً آخر كلماته التي أضحت مثلاً يتداوله الناس حتى وقتنا هذا: "دفِّيت الحية قرصتني"، ويُضرب لمن يقابل المعروف بالنكران والأذى.


شعار الصيدلة.. الثعبان السام الذي صنعوا منه الدواء قديماً وما تزال بعض الأدوية تُصنع من سم الثعابين حتى وقتنا هذا

اتخذها القدماء رمزاً للصيدلة والتداوي، وما يزال الرمز مستخدماً، إلا أنه يُنظر للأفاعي في الموروث الشعبي العربي عامة والفلسطيني خاصة بكثير من التوجس وانعدام الثقة، وتتناول غالبية أمثالنا الشعبية الأفاعي بصورة قاتمة، قيُقال على سبيل المثال: "عُمر الحية ما بتصير خيِّة"، "مثل الحية، جلد ملس وقلب نجس"، فتعُمُّ القناعة بأن هذا الزاحف طويل الذيل صاحب الأنياب الحادة الذي يتلّوى أرضاً في أثناء تنقُّله من مكان لآخر، يُضمر الشر دوماً.

وتُحاك حول لؤمه وخبثه كثير من الحكايات الشعبية، كيف لا وهو الغامض، المخيف، ذو العيون البراقة التي لا ترمش، رمز الخيانة والمكر الذي يلدغ دون سابق إنذار، لدغته شديدة السمّية، المرتبط بعالم الجان والسحر والرَّصَد، فقد يكون جنيَّاً يتشكل بهيئة أفعى، فتكون نذير شؤم.

 هي ذات القرنين، المكسوَّة بالحراشف المرعبة، (المقرّنة)، "أم راسين"، صاحبة اللسان الطويل الرفيع المشقوق إلى نصفين والذي تُحركه باستمرار بين أنيابها المخيفة خارج فمها في حركة خاطفة.

 إذن؛ تلقائيًا ودون تفكير، فإن مصادفة أي أفعى مهما كان لونها أو حجمها أو شكلها أو نوعها فذلك مبرر منطقي لمعاجلتها بضربة قاضية تتركها جثة هامدة، وتخلص الناس من شرِّها، حتى الأحلام الليلية، فإن الأفعى فيها تُفسر على أنها عدو يتأبط شراً.

فهل الأفاعي هي كذلك حقاً؟ وهل كل الأفاعي تحمل السم الزعاف داخل أفواهها ويجب أخذ الحيطة والحذر منها وبذل كل الجهود لتطهير البيئة منها؟

التقرير التالي المكون من جزءين؛ يسلّط الضوء على الأفاعي في فلسطين. الجزء الأول يعرّف لنا أنواعها، وسماتها الطبيعية، وأماكن تواجدها، وكيفية التعامل معها، لنتجنب خطرها إن كانت خطِرة والاستفادة من وجودها إن كانت صديقة.

 أما الجزء التالي فيُفنِّد علاقة الاحتلال الإسرائيلي بالتغيرات التي طرأت عليها، ودوره في تواجدها وانتشارها في مناطق لم يكن أحد يصادف أفعى فيها إلا نادراً.


أفعى فلسطين السامة تنتمي للعائلة الحفرية.. يشكل اللونان الأبيض والبني الداكن رقم ٧ على رأسها ويتصلان على جسدها ويشكلان ٧٧ على امتداد جسدها

الأفاعي في فلسطين

بسبب الموقع الجغرافي الذي يتوسط قارات ثلاث، وتضاريس تتنوع ما بين أغوار، وجبال، وهضاب، وصحراء، وسهول، وتشرف على نهر وبحيرة وبحرين، أحدهما هو الأملح في العالم، ومناخ يتميز بالتنوع أيضاً، وكون فلسطين ممراً طبيعياً لطيور تهاجر سنوياً من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، الأمر الذي يوفر سلاسل غذائية متعددة؛ لذلك كله، نرى تنوعاً حيوياً غنياً في فلسطين، الزواحف بأنواعها جزء منه بما فيها الأفاعي.

أُجريت في قطاع غزة دراسة مسحية للزواحف والحيوانات عام 2007، قُدر فيها عدد الأفاعي في القطاع بـ8 أنواع، ودراسة أخرى نُشرت عام 2016 وثَّقت وجود 27 نوعاً من الأفاعي في فلسطين، رغم التقديرات التي تشير إلى أن عدد أنواع الأفاعي في فلسطين يراوح بين 20 و 30 نوعًا، من ضمنها السامة وغير السامة.

في الجزء الثاني من هذا التقرير (في العدد 178) سنفنِّد أنواع الأفاعي الموجودة في فلسطين، ونبيّن السام منها وغير السام.


الفروقات بين الأفاعي السامة وغير السامة

الأفاعي لمحة عامة

أفعوان، أفعى، حيِّة، ثعبان.. أسماء مختلفة تشير لنوع واحد من الزواحف الطويلة عديمة الأطراف تنتمي للمملكة الحيوانية، إلى شعبة الحبليات، وطائفة الزواحف، ورتبة الحرشفيات، وتحت رتبة الثعابين، وتوجد في معظم مناطق العالم باستثناء القطبين وبعض الجزر.

تُصنف الأفاعي بحسب مجموعة من الخصائص التشريحية، والوراثية، والسلوكية، والبيئية إلى عائلات، وهذه الخصائص كالتالي:

 شكل الأسنان (مفصلية أو ثابتة)، وجود الغدد السامة، شكل القشور، ونمط الحركة. وبحسب العائلات تُصنف الأفاعي علمياً إلى مجموعات رئيسة. على سبيل المثال، الأفاعي السامة التي تملك أنياب أمامية ثابتة ويكون سمها عصبيًا تُصنف في Elapidae، بينما الأفاعي ذات الأنياب المتحركة والسم الدموي تُدرج ضمن Viperidae.

وبحسب ما يخبرنا الباحث د. مازن قمصية لمجلة آفاق البيئة والتنمية، أن في فلسطين 48 نوعًا من الأفاعي تنتمي إلى 7 عائلات هي:

الأفاعي الخلدية ( (Family Atractaspididae

تشمل أفاعٍ ذات أنياب جانبية متحركة (تقع على جوانب الفم)، بعضها سام وخَطِر، تعيش غالباً تحت الأرض في أنفاق تحفرها وقليلاً ما تظهر ليلاً، عيونها صغيرة جداً وضامرة تتناسب مع الحياة تحت الأرض، صغيرة إلى متوسطة الحجم، كثير منها يُعرف باسم "أفاعي الخلد"، مثل الأفعى الخلدية السوداء التي تعيش في النقب.

الثعابين العاصرة (الأصلات والبواءة) Family Boidae

ثعابين كبيرة وضخمة غير سامة، تقتل فرائسها بالعصر والخنق، ثم تبتلعها كاملة.

لها أسنان كبيرة منحنية إلى الخلف، وليس لها أنياب سامة. تنتشر في أمريكا الجنوبية، أفريقيا، آسيا، يعيش في فلسطين منها بواء الرمال(الدساس).

الأحناش (Family Colubridae)

أكبر وأكثر فصائل الثعابين تنوعاً وانتشاراً، وتضم أكثر من 50% من الأنواع المعروفة، أغلبها غير سام لكن بعضها لديها سموم خفيفة وغير فعالة ضد البشر، وتعتمد على العصر أو الابتلاع الحي لفرائسها، مثل الثعبان الملكي والثعبان الأخضر.


العربيد أو الحنش.. أفعى صديقة للبيئة تلتهم القوارض والزواحف والأفاعي الأخرى، غير  سامة رغم لونها الأسود اللامع الذي يثير الرعب عادة

 العرابيد(Family Elapidae)

 أفاعٍ سامة جداً، ذات سم عصبي قاتل، ذات أنياب أمامية ثابتة، ولها رأس غير مميز عن الجسم غالباً. تنتشر في أفريقيا، آسيا، أستراليا، والمحيطات، منها المامبا (الأسود الخبيث).

الثعابين الخيطية (Family Leptotyphlopidae)

ثعابين صغيرة جداً، غير سامة، تشبه الديدان، عمياء أو شبه عمياء، تعيش غالباً تحت الأرض وتتغذى على الحشرات واليرقات، وتنتشر في المناطق المدارية.

الثعابين العمياء (Family Typhlopidae)

تعيش تحت الأرض، عمياء تقريباً، غير سامة، صغيرة الحجم جداً (10–30 سم)، وتتغذى على

النمل والنمل الأبيض، تشبه عائلة Leptotyphlopidae توجد في إفريقيا، آسيا، أمريكا، وبعض جزر المحيط.

الأفاعي الحُفَرية (Family Viperidae)

سامة، سميكة الجسم، مثلثة الرأس، بعضها يمتلك حفرًا حساسة للحرارة بين العينين والأنف لتحديد حرارة الفرائس.

 أنيابها طويلة ومتحركة تُطوى للخلف، وسمها دموي، تشمل الأفاعي: الفلسطينية، والمجلجلة، وذات القرنين.

سم الأفاعي.. ما هو؟ وهل تبادر لاستخدامه بمجرد الاقتراب منها؟

"بردية بروكلين":

وثيقة تحمل بين طياتها أول أطروحة علمية مدونة على ورق البردي، "تفنّد الثعابين وسمومها وتأثيراتها وعلاج لدغاتها، وتتبع نهجاً علمياً في التشخيص والعلاج والنتائج المحتملة".

 مكتوبة باللغة الهيراطيقية (شكل مبسط من الكتابة الهيروغليفية)، وهي واحدة من أقدم وأهم الوثائق الطبية المحفوظة من مصر القديمة، يعود تاريخها إلى حوالي 450 قبل الميلاد.

 تُعرف البردية أيضاً بأرقامها 47.218.48 و 47.218.85، محفوظة في متحف بروكلين في مدينة نيويورك، وتُظهر البردية توافر معرفة متقدمة لدى المصريين القدماء عن الأفاعي وما يخصها.


الأفعى الباصقة تنفث سمها من أنيابها في  عيون فريستها وقد تصيبها بالعمى

سم الأفاعي:

مزيج معقد من المكونات، يشبه اللعاب، ويضم مجموعة متنوعة من الجزيئات النشطة بيولوجياً من الببتيدات والبروتينات التي تمثل أكثر من 95% من الوزن الجاف لسم الثعبان (الـ 5% الأخرى تحتوي على دهون وكربوهيدرات وأمينات حيوية).

 تنتجه غدد خاصة (غدد السم) لشل أو قتل فريستها، تحقن الأفعى السم من أنياب في فمها، بالطريقة ذاتها التي تعمل المحاقن الطبية؛ فبمجرد اختراق الناب للحم الضحية، تنفث السم الذي يصل إلى دم الفريسة.

تبصق بعض أنواع أفاعي الكوبرا السم بصقاً في وجه فريستها، مثل الكوبرا الموزمبيقية الباصقة.

تُقسم سموم الأفاعي علمياً إلى أنواع بحسب تأثيراتها البيولوجية على الجسم، وعادة ما يحوي سم الأفعى الواحدة مزيجًا من هذه الأنواع. 

  1. سموم ضارة بالأعصاب  (Neurotoxins): تؤثر في الجهاز العصبي، وتعطل الإشارات العصبية إلى العضلات، يمكنها أن تسبب شللاً، وصعوبة في التنفس، واضطرابات قلبية للضحية. توجد في سم أفاعي الكوبرا، المامبا، الكريت، وعائلة الأفاعي المرجانية.
  2. سموم ضارة بالدم  (Hemotoxins): تؤثر في الدم والأوعية الدموية، فتتسبب في تخثرات أو ميوعة للدم( جلطات أو نزف لا يمكن السيطرة عليه)، وتدمير للأنسجة والعضلات، وتلف لأعضاء الجسم الداخلية، نجدها في سم الأفاعي الرقطاء، وذات الأجراس.
  3. سموم ضارة بالخلايا- مُحلِّلة الأنسجة(Cytotoxins/Necrotoxins) : تتسبب في تورم شديد وآلام مبرحة في موقع اللدغة وتدمر الأنسجة حولها، وتؤدي إلى تلف في الأنسجة والأعضاء الحيوية في الجسم كالقلب والكبد والكلى، غالباً ما تكون هذه السموم جزءاً من السموم الدموية، وتوجد في سم معظم أفاعي فصيلة Viperidae .
تلف واسع النطاق في الجلد وتحته بعد لدغة سامة تصوير ديفيد واريل-تورم وتقرحات في القدم بعد لدغة أفعى   سامة من العائلة الحفرية تصوير ديفيد واريل

عوامل تؤثر على خطورة اللدغة

  • نوع الأفعى: فليس كل الأفاعي لديها سموم فتاكة بالدرجة ذاتها.
  • نوع السم المحقون وكميته: ليست كل لدغة معناها جرعة كاملة ومميتة من السم.
  • مكان اللدغة: اللدغات في مناطق الرأس أو الجذع أو في الأوعية الدموية مباشرة أكثر خطورة.
  • حجم وعمر وصحة الملدوغ: فالأطفال وكبار السن ومن يعانون ضعف المناعة أكثر عرضة للخطر.
  • سرعة تلقي الرعاية الطبية: الحصول على مضاد السم قد ينقذ الملدوغ.

تستخدم الأفاعي سمَّها غالباً لإخضاع الفريسة أو قتلها، ومعظم السموم تتسبب في موت أو شلل الفريسة، وأظهرت دراسة نُشرت عام 2020 أن سم الأفعى تطور أساساً باعتباره أداةً للصيد، وليس للدفاع، ولا تستخدمه الأفاعي إلا عند الضرورة، رغم أنها قد تستخدمه أيضاً للدفاع عن النفس إذا شعرت بالتهديد.

ومع أن الدراسات العلمية أظهرت أن إنتاج السم لدى الأفاعي لا يستهلك طاقة كبيرة كما كان يُعتقد سابقاً، فقد أظهرت دراسة أُجريت على أفعى الموت الأسترالية أن تكلفة إنتاج السم منخفضة نسبياً مقارنة بعمليات فسيولوجية أخرى مثل الهضم وتبديل الجلد، إلا أن الأفاعي لا تهاجم ولا تلدغ إلا إذا استفزها الإنسان أو اقترب منها بطريقة تخيفها، أو شعرت بأنها محاصرة دون مهرب، فالأفاعي لا ترى الإنسان فريسة مناسبة، لذلك يُلاحظ أنها تؤثر الهروب والابتعاد عن مواجهة الإنسان ما أمكن.


أفعى قرناء( من عائلة الأفاعي الحفرية) تبرز أنيابها السامة في وضعية هجوم- الصورة مولدة بالذكاء الصناعي

لتتجنب خطر الأفاعي:

** لا تقترب من أي أفعى أو ترميها بحجارة أو ما شابه، حتى لا تشعر أنها في خطر، فتعمد إلى مهاجمتك.

** اِبتعد عن الأفعى الميتة ولا تلمسها؛ تشير الأبحاث العلمية إلى أن الأفعى الميتة أو مقطوعة الرأس، بمقدورها أن تلدغ وتحقن سمها بعد موتها، فالأفاعي؛ وذوات الدم البارد عموماً؛ تحتفظ بردة الفعل العصبية والحركات غير الإرادية لأنها تحافظ على خلايا عصبية مشحونة أيونياً بعد موتها بعدة ساعات، ما يمكِّنها من اللدغ.

** تجنّب الأماكن التي تختبئ فيها الأفاعي مثل الجحور، الأعشاب الطويلة، أكوام الخشب، المناطق الصخرية وأكوام الحجارة.

** عند عملك أو تواجدك في مناطق قد تتواجد فيها أفاعي مثل الحقول والمزارع والمسارات البيئية والغابات، غطِّ جسدك بملابس وأحذية طويلة وقفازات.

للأفاعي دور مهم في التوازن البيئي في فلسطين رغم شكلها المخيف وأفواهها الكبيرة، ما يخلق نظرة عدائية تجاهها، فليست كل الأفاعي ضارة وسامة، لذا من المهم زيادة الوعي حولها، وهو ما سنعالجه في العدد القادم من "آفاق البيئة والتنمية".

No comments:

Post a Comment

عرض خاص

عرض خاص
عرض خاص

تصعيد استيطاني في جنوب الخليل: توسع بؤر قائمة وإنشاء أخرى جديدة

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands شرع مستعمرون مسلحون، اليوم الأربعاء، بتوسيع بؤرة استيطانية أقيمت في خربة دير رازح جنوب مدينة الخليل منذ د...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????