الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وتغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع الطلب على المياه، يدق الخبراء ناقوس الخطر من أن ما يسمى بـ"جفاف اليوم صفر" قد يأتي في وقت أقرب مما قد يتوقعه العديد من صناع السياسات أو السكان.
وتُحذّر دراسة عالمية من أن "جفاف اليوم صفر"، أي عندما تنضب الصنابير تماما، قد يصيب أجزاء من العالم بحلول ثلاثينيات القرن 21. ومع تغيّر المناخ الذي يُعطّل هطول الأمطار ويزيد الطلب على المياه، تُواجه مناطق مثل البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وغرب الولايات المتحدة مخاطر متزايدة.
وتسلط النتائج الضوء على حجم التهديد الذي يشكله تغير المناخ والضغط المتزايد على موارد المياه العذبة بالنسبة للمراكز الحضرية والمجتمعات الريفية والأنظمة الزراعية على حد سواء.
وبرز مصطلح "جفاف اليوم صفر" خلال أزمة المياه في كيب تاون بجنوب أفريقيا في عامي 2017 و2018. فعلى مدار سنوات عديدة بدءا من عام 2015، شهدت المدينة أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من قرن، بسبب انخفاض هطول الأمطار إلى مستويات قياسية وتزايد الطلب على المياه.
وبحلول أوائل عام 2018، انخفض منسوب مياه "ثيواترسكلوف"، أكبر خزانات كيب تاون، إلى مستويات منخفضة للغاية، ووصلت تدفقات الأنهار في المنطقة المحيطة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1904. في وقت كانت تحصل فيه المدينة على 96% من إمداداتها من المياه من الخزانات والأنهار.
وأعلنت الحكومة المحلية أنه ما لم ينخفض الاستهلاك بشكل حاد وتعود الأمطار، فإن كيب تاون سوف تصل إلى "يوم الصفر"، وهي اللحظة التي ستضطر فيها المدينة إلى إغلاق معظم الصنابير، مع اصطفاف السكان في نقاط التوزيع للحصول على إمدادات المياه الطارئة.
لم تُحل الأزمة إلا بصعوبة بالغة عندما هطلت أمطار غزيرة في وقت لاحق من ذلك العام، مما أدى إلى إعادة ملء السدود في الوقت المناسب، لكن الأزمة كشفت عن هشاشة أنظمة المياه الحضرية في مواجهة موجات جفاف طويلة الأمد، وخاصة في المدن التي تعتمد بشكل شبه كامل على المياه السطحية.
استنتاجات صادمة
استخدمت الدراسة، التي أجراها فريق دولي من العلماء من مؤسسات بما في ذلك جامعة بوسان الوطنية في كوريا الجنوبية، أحدث نماذج المناخ للتنبؤ بموعد حدوث الجفاف ومكانه في اليوم صفر على الأرجح في العقود المقبلة.
كما قاموا بمحاكاة الظروف التي لم تعد فيها مياه الأمطار وتدفقات الأنهار والخزانات قادرة على تلبية الاحتياجات البشرية والبيئية، وهو الوضع الذي يشير إلى يوم الصفر.
وبحسب الدراسة، فإن 35% من المناطق المعرضة للجفاف في جميع أنحاء العالم قد تواجه ظروف اليوم صفر خلال السنوات الـ15 المقبلة.
وبحلول نهاية القرن، من المتوقع أن يصبح ما يقرب من 3 أرباع هذه المناطق معرضا للخطر إذا ظلت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مرتفعة وإذا لم تتحسن ممارسات إدارة المياه.
وكشفت النماذج عن العديد من النقاط الساخنة، حيث تكون المخاطر حادة بشكل خاص، من بينها حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا، بما فيها دولة جنوب أفريقيا وناميبيا وبوتسوانا، وأميركا الشمالية، بما فيها غرب الولايات المتحدة، وجنوب ووسط آسيا، وخصوصا شمال الهند وباكستان وأفغانستان، وكذلك جنوب شرق أستراليا.
وتشير الدراسة أيضا إلى أنه في ظل سيناريو الانبعاثات العالية، قد يتعرض ما يصل إلى 750 مليون شخص على مستوى العالم لظروف الجفاف بحلول عام 2100، ثلثيهم في المناطق الحضرية والباقي في المناطق الريفية.
كما قد تشهد المراكز الحضرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط خطرا على حياة ما يقرب من 196 مليون نسمة، في حين تواجه المجتمعات الريفية في آسيا وشمال وجنوب أفريقيا نقاط ضعف غير متناسبة بسبب البنية التحتية والموارد المحدودة.
وحسب الدراسة، تعد لوس أنجلوس ومكسيكو سيتي وكابل وطهران من بين المدن الكبرى الأخرى التي تواجه ضغطا مائيا كبيرا، مع قدرة محدودة على الصمود في حالة حدوث جفاف شديد يستمر سنوات عديدة.
أثر تغير المناخ
من المعروف أن تغير المناخ، الناجم عن حرق الوقود الأحفوري، يُخلّ بدورة المياه العالمية، ويُسبب شحّها. لكن، يتمثل الأمر الأقل وضوحا بالوقت والمكان الذي سيحدث فيه هذا النقص الحاد بالمياه.
ويقول كريستيان فرانزكي، أحد مؤلفي الدراسة، "إن اكتشاف إمكانية حدوث الجفاف حتى اليوم الصفري في وقت قريب جدا، في ظل المستويات الحالية من الاحتباس الحراري العالمي، كان أمرا فاجأنا، نظرا لأن العديد من المدن اقتربت بالفعل من نقطة التحول هذه في السنوات الأخيرة".
وتشير الدراسة إلى أن تغير المناخ والنشاط البشري هما السبب وراء مخاطر "الجفاف في اليوم صفر"، إذ يؤدي الاحتباس الحراري إلى تكثيف الدورة الهيدرولوجية، ومن ثم يفضي إلى فترات جفاف أطول وأكثر تواترا في العديد من المناطق بينما يتسبب في هطول أمطار غزيرة وفيضانات في مناطق أخرى.
وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة معدلات التبخر، وجفاف التربة، وتقليص تدفقات الأنهار، ومن ثم تراجع إمدادات المياه العذبة المتاحة في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب.
وفي الوقت نفسه، فإن النمو السكاني السريع والتوسع الحضري السريع والتوسع الصناعي يفرض ضغوطا شديدة على أنظمة المياه التي تعاني بالفعل من تراجع حاد.
وتمثل الزراعة نحو 70% من عمليات سحب المياه العذبة في العالم، في حين تستهلك الصناعات مثل إنتاج الطاقة والتعدين والتصنيع كميات إضافية هائلة.



No comments:
Post a Comment