نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Tuesday, November 19, 2024

الزراعة الاستيطانية...النهب، الاقتلاع والإحلال

الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands

خاص بمجلة آفاق البيئة و التنمية 


خلال السنوات القليلة الماضية، وبخاصة منذ تشرين أول/ أكتوبر 2023، صَعَّدَت ميليشيات المستوطنين المدججين بالسلاح، هجماتها الدموية المدمرة المحمية من جيش الاحتلال، ضد القرى والبلدات الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية، بما في ذلك العديد من قرى نابلس، قلقيلية، طولكرم، جنين، رام الله، سلفيت، طوباس، بيت لحم، الخليل والأغوار (بعض أبرز القرى التي شملتها الهجمات: حوارة، المغير، دوما، ترمسعيا، أم صفا، قريوت، سلواد، قصرة، مادما، دير بلوط، مسافر يطا، المالح، نبع غزال، التجمعات البدوية في الأغوار). وفي الأغوار تحديدا هُجِّرَت عشرات التجمعات البدوية الفلسطينية كليا أو جزئيا. وشملت الهجمات تدمير وحرق ممتلكات ومنازل وسيارات الفلسطينيين. واستغلت سلطات الاحتلال حالة الحرب والمذابح البشرية البشعة في قطاع غزة، ففاقمت مصادرات الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل والمنشآت، والتوسع الاستيطاني المكثف وإنشاء المزيد من البؤر الاستيطانية، وألقى المستوطنون في بعض القرى منشورات تدعو الفلسطينيين إلى الرحيل والهجرة إلى الأردن "قبل فوات الأوان". كما استُكمِلت عملية تسليح مستوطني الضفة، بما يشمل الرشاشات الهجومية الثقيلة.

اللافت أن ما يسمى بالاستيطان الرعوي تعاظم خلال السنوات العشر الأخيرة، وتكثف بشكل خاص منذ تشرين أول/ أكتوبر 2023؛ علما أن الاحتلال ابتكر هذا الشكل من الاستيطان للاستيلاء السريع على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية (مئات آلاف الدونمات) والسيطرة عليها وعلى كل ما تحويه من موارد طبيعية ومائية، وبخاصة في مناطق الأغوار، حيث يُخصص للبؤرة الاستيطانية الواحدة آلاف الدونمات معظمها أراض فلسطينية خاصة يملكها الفلسطينيون في القرى المجاورة، وقد تستوطنها أحيانا حفنة قليلة من المستوطنين (لا يتجاوز عددهم 3-4 مستوطنين)، بذريعة توفير مراع يرعى فيها المستوطنون قطعان أغنامهم وأبقارهم. وحاليا يقدر عدد البؤر الاستيطانية الزراعية بنحو 100 في جميع أنحاء الضفة (يديعوت أحرونوت، 31/5/2024).

مشروع البؤر الاستيطانية الزراعية (المستوطنات الزراعية) ابتكره الاحتلال أصلا، لمنع البناء الفلسطيني في ما يسمى مناطق "ج" (61% من إجمالي مساحة الضفة، حسب تقسيمات أوسلو)؛ إذ يزعم الاحتلال بأن هذا البناء "غير قانوني". وهكذا، من خلال عدد قليل من المستوطنين المدججين بالسلاح، وبحماية الجيش النظامي، تتم السيطرة على مراع ومساحات زراعية كبيرة، وبالتالي فرملة التوسع العمراني الفلسطيني.

بالطبع، القوانين العسكرية الإسرائيلية تطبق على الفلسطينيين فقط، والذين كثيرا ما غرمتهم سلطات الاحتلال مبالغ مالية كبيرة للإفراج عن أغنامهم وأبقارهم التي صادرها "مفتشو" الاحتلال، بذريعة الرعي في مناطق يُحظر الرعي فيها، علما أن الرعاة الفلسطينيين اعتادوا الرعي في هذه المناطق منذ حقب زمنية طويلة. وفي المقابل، يتبخر فجأة "القانون" عندما يتعلق الأمر بالمستوطنين الذين يواصلون إنشاء بؤرهم الاستيطانية الزراعية والرعوية في ذات المناطق "المحظورة" (على الفلسطينيين)، حيث يرعون مواشيهم بحرية مطلقة، سواء في الأراضي الفلسطينية الخاصة المنهوبة أو في المناطق المصنفة إسرائيليا "محميات طبيعية"، والهدف النهائي تعزيز الوجود الاستيطاني اليهودي (هآرتس، 24/1/2024).

نهب الأراضي الفلسطينية من خلال التوسع الاستيطاني وما يسمى المزارع الاستيطانية، وتشريد الرعاة والفلاحين الفلسطينيين، عبارة عن عملية اقتلاع قسري واسع النطاق. وفي المقابل، يتآكل الوجود الفلاحي والرعوي الفلسطيني باستمرار، سواء المزارعين ورعاة الماعز أو قاطفي الزيتون. الموجة الحالية من التوسع الاستيطاني المكثف، تستهدف إحلال المستوطنين مكان أهل البلد الأصليين الذين يحافظون على الأرض والمشهد الفلاحي النموذجي منذ مئات السنين. ففي أعين أولئك المستوطنين، لا مكان للفلسطينيين في هذا المشهد لأنه ملك لما يسمى "فتيان التلال" المدعومين من جهاز حكومي أمني-عسكري يقف إلى جانبهم.

وعلى هذه الخلفية، تكثفت وتعاظمت خلال السنة الأخيرة هجمات المستوطنين المتواصلة، بحماية الجيش، على فلسطينيي الأغوار، فهُجِّرت مئات العائلات، وبخاصة في الأغوار الشمالية، في ظل "هندسة الخوف" التي يعمل الاحتلال على تكريسها في إطار الهجمات الدموية المدمرة المنظمة على التجمعات البدوية وسائر القرى والأرياف الفلسطينية (قرى حوارة، المغير، جيت وغيرها الكثير). فتوسعة وتكثيف الاستيطان في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وما يرافقها من مصادرة مئات آلاف الدونمات والاعتداءات اليومية المنظمة على الفلسطينيين وسرقة مواردهم المائية ومواشيهم وثرواتهم الحيوانية وبخاصة في مناطق الأغوار، تسير على قدم وساق.

لكن، بحسب قيادة دولة الاحتلال، يتهدد هذا الاستيطان مخاطر داخلية وخارجية عبر الحدود الأردنية-الفلسطينية التي يتجاوز طولها 300 كم (يديعوت أحرونوت، مصدر سابق).

الاستيلاء الإسرائيلي على أراضي الفلسطينيين يشمل المناطق الملاصقة لمركز قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله؛ إذ خلال السنتين الأخيرتين صودرت في قضاء رام الله آلاف الدونمات من الجبال والوديان والأراضي الزراعية الخصبة التي يملكها أهالي المنطقة، حيث تعمل سلطات الاحتلال على شق الشوارع الالتفافية الخاصة بالمستوطنين وتوسعة المستوطنات، كما في قرى خربثا بني حارث، كفر نعمة ورأس كركر (في منطقة الريسان).

الاحتلال يعمل على إعادة رسم خريطة الضفة الغربية، من خلال نهب الأراضي والتوسع الاستيطاني، وتدمير القرى والتجمعات الفلسطينية وتهجير سكانها، وبخاصة في مناطق الأغوار. خلال العام الحالي (2024) استولت دولة الاحتلال وتنظيمات المستوطنين على عشرات آلاف الدونمات، وهدمت آلاف المباني والمنشآت والمنازل الفلسطينية (بما في ذلك منطقة القدس الشرقية). المستوطنون العدوانيون المتطرفون يتمتعون بالدعم المباشر الكامل من قياداتهم في أعلى مواقع السلطة الإسرائيلية. وبالطبع، الاحتلال يسيطر سيطرة مطلقة على المصادر الطبيعية الفلسطينية، من مياه جوفية وسطحية وينابيع ومحاجر ومواقع أثرية ومحميات طبيعية.

تصاعد الهجمات العسكرية والاستيطانية الإسرائيلية على مخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية، وتزامنها مع عجلة المجازر البشعة في قطاع غزة، تهدف إلى نقل ثقل الصراع إلى الضفة الغربية، لفرض وقائع ديمغرافية وجيوسياسية ميدانية جديدة، لإخضاع الضفة وتهويدها وضمها. وفي حال المخيمات الفلسطينية تحديدا، التخريب والتدمير الشامل للبنى التحتية وسبل الحياة والمعيشة اليومية، كما في مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم والفارعة وبلاطة، يهدف إسرائيليا إلى محو هذا الحيز الفلسطيني وجعله غير قابل للحياة، وبالتالي تشريد سكانه اللاجئين وإعادة توطينهم، وفي المحصلة محو فكرة اللجوء من العقل والوجدان الفلسطيني وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين وبخاصة للشباب.   

وفي ذات السياق، جاء تحريض وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" على مخيم جنين للاجئين، داعيا إلى إخلائه من المدنيين ومن ثم التعامل معه كما التعامل مع قطاع غزة (يديعوت أحرونوت، 11/ 8/ 2024). ولاحقا، في آب 2024 دعا "كاتس" إلى "إخلاء مؤقت للسكان في الضفة الغربية" و"التعامل مع التهديد بنفس الطريقة التي تتبعها إسرائيل في قطاع غزة" (يديعوت أحرونوت، 28/8/2024).


الزراعات الاستيطانية آخذة في التوسع في مستعمرات الخليل

تدمير الطبيعة والبيئة

قبل بضع سنوات، أدرجت اليونسكو المناطق الزراعية الفلسطينية التقليدية في قرية بتير (جنوب القدس) في قائمة التراث الثقافي العالمي. وليس بعيدا عن بتير تقع قرية وادي فوكين التي تتمتع أيضا بتراث ريفي-زراعي فلسطيني فريد.

خطط الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية حول هذه القرية تهدد بتدمير تلك المنطقة تدميرا شاملا. الفلاحة التقليدية في وادي فوكين متوارثة عبر الأجيال، وتتميز بقطع صغيرة من الأراضي التي ترويها البرك التي تغذيها مياه الينابيع المنتشرة في المنطقة. الوادي الذي تقع فيه الأراضي الزراعية يشكل نموذجا رائعا وجميلا لتقليد فلاحي فلسطيني قديم، عمره أكثر من ألف عام، يحافظ عليه الفلاحون الفلسطينيون منذ مئات السنين.

خبراء البيئة الذين أجروا مسحا للثدييات في منطقة وادي فوكين، أكدوا أن المشاريع الاستيطانية في تلك المنطقة، سواء الجدار العنصري شمال القرية أو المنشآت الاسمنتية والمناطق الصناعية والبنى التحتية والطرق الواسعة المدمِرة للمشهد البيئي الحيوي والمناظر الطبيعية الفريدة، تشكل بمجملها ضربة مميتة للممرات البيئية وللموائل الطبيعية وللنظام الهيدرولوجي، وبالتالي تعطل تدفق مياه الأمطار وتسربها الضروري لوجود الينابيع التي تزود وادي فوكين بالمياه وتعتمد عليها نباتات المنطقة، بالإضافة إلى خطر دهس وتشريد الغزلان البرية (هآرتس، 6/ 3/ 2024).

 الاحتلال يواصل بلا رحمة تدمير الطبيعة والنظام البيئي في مختلف أنحاء الضفة الغربية، من خلال التسارع المتضخم في مشاريعه الاستيطانية، تحت ستار القوانين والأوامر العسكرية وما يسمى "قوانين حماية الطبيعة" المطبقة فقط على الفلسطينيين لإرغامهم على هجر أراضيهم الزراعية.

اللافت أن العديد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات البيئية الإسرائيلية لا تتدخل لمنع المظالم الإسرائيلية البشعة المقترفة بحق البيئة الطبيعية والبشرية في الضفة الغربية، بل يعمل بعضها على تعزيز وشرعنة المشهد الاستيطاني التوسعي. فجمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية (وهي أكبر جمعية بيئية في إسرائيل)، على سبيل المثال، يشارك ممثلوها في الاحتفال بمشاريع ونشاطات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية المنهوبة، وتنشر أدلة للإسرائيليين تتضمن إرشادات لمسارات المشي لمسافات طويلة في الضفة الغربية. ومن بين أمور أخرى، أوصت الجمعية بأن "يستمتع" الإسرائيليون بزيارة عشرات الينابيع الفلسطينية التي استولى عليها المستوطنون بالقوة وطردوا منها المزارعين الفلسطينيين (هآرتس، 20/ 9/ 2023).


زراعات النخيل الإسرائيلية في الأغوار الفلسطينية

ديمغرافيا مفتتة ومشوهة

بهدف تثبيت وتكريس الوجود الاستيطاني ماديا ووجدانيا في الضفة الغربية تتم عملية تأصيل وتجذير الارتباط بين المستوطنين والأرض الفلسطينية المنهوبة؛ وذلك من خلال ممارسة العمل الزراعي ورعي المواشي؛ تلك الممارسة التي أصبحت من سمات الحالة الاستيطانية. ويتم تغليف الارتباط الاستيطاني بالأرض من خلال التعبئة العقائدية والرومانسية والتاريخية، لمنح المستوطن إحساسا بعضوية وأصلانية ارتباطه بالأرض، ترسخها بعض البُنى الزراعية الإرشادية والتعليمية، مثل المدارس الحقلية.

وخلال عشرات السنين الأخيرة، اتسعت في الضفة الغربية النشاطات والمشاريع الزراعية الاستيطانية الإسرائيلية بشكل كبير ومتسارع، وبخاصة في الأغوار وفي المناطق الجبلية بمحاذاة المستوطنات وحولها؛ حيث نجد، بشكل خاص، أشجار الفاكهة والزيتون وكروم العنب.

مساحات كبيرة في الأغوار مزروعة إسرائيليا بالنخيل ومحاصيل الدفيئات والمحاصيل الحقلية.  وبالطبع، ينهب المحتلون موارد مائية ضخمة لزراعاتهم في الأغوار وفي المناطق الشمالية للبحر الميت.  وتبلغ حاليا المساحة المزروعة في المستوطنات أكثر من 150 ألف دونم، إنتاجيتها أعلى بكثير من إنتاجية المساحات الفلسطينية، بسبب وفرة المياه والموارد الفلسطينية المنهوبة لصالح الزراعة الاستيطانية في المستوطنات التي تنتج نسبا كبيرة من المحاصيل التي تصدّرها إسرائيل إلى أوروبا، مثل الرمّان واللوز والزيتون والتمور.

المفارقة المأساوية أن ما يسمى المنطقة "ج" التي تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية المطلقة (حسب الاتفاقات التي وقعتها أيضا القيادة الفلسطينية الرسمية ضمن اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي) تتمتع بأكثر من ثلثي موارد الضفة الزراعية وأخصب أراضيها وأفضلها جودة للرعي؛ علما أن الفلسطينيين "ممنوعون" إسرائيليا من استخدام معظم الأراضي الرعوية في مختلف أنحاء الضفة، بسبب التوسع الاستيطاني والمناطق العسكرية وجدار الفصل العنصري. كما أن معظم مساحة المنطقة "ج" مخصصة إسرائيليا للمستوطنات ولتوسعها المستقبلي وللمناطق العسكرية والتدريبات و"للمحميات الطبيعية" التي غالبا ما تشكل غطاءً للنشاطات الاستيطانية والعسكرية الاسرائيلية.

السنوات الأخيرة (منذ ما قبل حكومة نتنياهو الحالية) شهدت تصعيدا كبيرا في هجمات المستوطنين ضد فلسطينيي الضفة الغربية تحديدا؛ تسارعت وازدادت(الهجمات) حدة وعنفا منذ تشرين أول/ أكتوبر2023 واستهدفت، بشكل أساسي، المناطق التي يعتبرها الاحتلال استراتيجية، كما الهجمات المكثفة المتكررة ضد التجمعات البدوية في المناطق "ج" التي تهدف التنظيمات الاستيطانية إلى تفريغها من الفلسطينيين وبالتالي إحكام السيطرة والسيادة المطلقة عليها. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شردت الهجمات الاستيطانية (غالبا بحماية الجيش) آلاف الفلسطينيين من عشرات التجمعات الفلسطينية. 

وفي المقابل، نجد اضمحلالا خطيرا في الزراعة والحياة الفلاحية الفلسطينية، ليس فقط بسبب السياسات والممارسات الإسرائيلية من مصادرات للأراضي ونهب للموارد الطبيعية والمائية الفلسطينية، بل أيضا بسبب السياسات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية التي أفرزتها اتفاقيات أوسلو. فالبنى الاقتصادية التي عززتها ودعمتها السياسات الاقتصادية للسلطة لا صلة لها بشعب يعيش تحت نير احتلال استيطاني إحلالي، وهي في جوهرها بنى خدماتية وطفيلية.  الأنماط الاقتصادية الخدماتية بطبيعتها تولد مظاهر الرفاه الاجتماعي الشكلي الذي يربط أعدادا كبيرة من الناس بالقروض البنكية، بعيدا عن الاقتصاد الإنتاجي الزراعي أو الصناعي. هذا ما حدث بالضبط للمجتمع الفلسطيني في ظل السلطة الفلسطينية.  

والمثير هنا، التضخم العددي المتسارع للمنشآت الخدماتية الكبيرة مثل مراكز التسوق و"المولات" (malls) والمطاعم والمقاهي "والكوفي شوب" والفنادق، بما لا يتناسب مع عدد سكاني صغير نسبيا وغياب السياحة الداخلية أو الخارجية، في ظل حصار وسيطرة إسرائيلية تتحكم بحياة المجموع البشري الفلسطيني بالضفة الغربية، من خلال عزل القرى والمدن والبلدات والمخيمات عن بعضها، وحصارها بالمستوطنات والتمدد الاستيطاني والقواعد العسكرية ومئات الحواجز والبوابات المعدنية والسواتر الترابية والطرق الالتفافية، وبالتالي انعدام الحركة الداخلية الحرة والتواصل السهل بين مختلف المناطق الفلسطينية، بل التحكم الإسرائيلي المطلق بحركة القوى البشرية ورأس المال والحدود والصادرات والواردات.

يضاف إلى ذلك، امتصاص سوق العمل الإسرائيلي لنحو 200 ألف عامل فلسطيني تتحكم سلطات الاحتلال بتشغيلهم، فتطردهم من السوق كلما تدهور الوضع الأمني-العسكري (كما هو حاصل حاليا منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023). علاوة على نمو الجهاز البيروقراطي والاداري الحكومي الفلسطيني المتضخم الذي ربط به نحو 180 ألف فلسطيني سُلِخ عدد كبير منهم من العمل الفلاحي والانتاجي الزراعي. وتشكل الشرطة ورجال الأمن النسبة الأكبر من هذا الجهاز (نحو 40%)، علاوة على جيش موظفي الخدمة المدنية (أكثر من 100 ألف). جميع هؤلاء تتحكم سلطات الاحتلال برواتبهم الهزيلة أصلا وغير المستقرة (من خلال التحكم الإسرائيلي بحركة رؤوس الأموال الفلسطينية والضرائب والمقاصة)، ما أدى إلى ارتهان معظم موظفي السلطة الفلسطينية (الموظفين العموميين) للقروض البنكية. نتيجة هذا التشوه الاجتماعي-الاقتصادي-التنموي واضحة للعيان: اختفاء مخيف للشرائح الطبقية الفلسطينية المنتجة المرتبطة والمتشبثة بالأرض (وهي جوهر الصراع مع الاحتلال) التي يفترض حمايتها والدفاع عنها من خلال فلاحتها، ليس فقط لدوافع الجدوى الاقتصادية، بل وأساسا بهدف عودة الفلسطيني إلى هويته الوطنية الأصلانية وترسيخها وتكريسها وتجذير الارتباط بها، في سياق مواجهة احتلال استيطاني اقتلاعي إحلالي يعمل بشكل منهجي منظم على سرقة هذه الهوية وإحباط الفعل الفلسطيني لتجسيدها واقعا ماديا على الأرض.     

المعطيات والحقائق الصارخة على الأرض تشير إلى أنه في ظل السلطة الفلسطينية التي أفرزتها اتفاقيات أوسلو، "ازدهر" الاستيطان وتعاظم عددُ المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.  ففي أواسط الثمانينيات (قبل إنشاء السلطة الفلسطينية) بلغ عدد المستوطنات في الضفة نحو 120، وارتفع عددها حاليا إلى أكثر من 150، بالإضافة إلى ما يسمى البؤر الاستيطانية التي تجاوز عددها المائةمساحة المستوطنات ارتفعت من نحو 69 ألف دونم في أوائل التسعينيات (قبل إنشاء السلطة)، إلى أكثر من 542 ألف دونم في أوائل عام 2023 (حوالي 8 أضعاف!).

كما أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية (ومن ضمنهم المتدينين المتطرفين أيديولوجيا) بلغ نحو 750 ألف (بما في ذلك القدس الشرقية) في مطلع عام 2023، أي ازداد عددهم بأكثر من ثلاثة أضعاف عما كان في أوائل التسعينيات (حين لم يتجاوز عددهم 230 ألف بمن فيهم مستوطنو القدس الشرقية)، فتجاوز عددهم ما كان عشية احتلال معظم مناطق فلسطين التاريخية عام 1948، حين بلغ عددهم آنذاك نحو 650 ألفاً (Statistical Abstract of Israel, No 64, 2013)، فاحتلوا 78% من مساحة فلسطين التاريخية.

المشروع الاستيطاني الإسرائيلي المكثف والمنظم في الضفة الغربية، يقابله سياسات فلسطينية رسمية تساهم في تفكيك البنية المؤسسية والحزبية الفلسطينية، من أطر حزبية واتحادات ونقابات وما إلى ذلك، في ظل غياب المشروع الوطني الجذري الصلب على الأرض لدعم الأهالي وحمايتهم وتثبيت وجودهم في أراضيهم وقراهم وبلداتهم. 

أمام هذا الواقع الاستيطاني المادي الصلب على الأرض، وهذا المشهد الجيوسياسي والاقتصادي-الاجتماعي-التنموي والديمغرافي المفتت والمشوه، يصبح الحديث عن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مجرد أمنية غير قابلة للتطبيق.   


مستعمرة روتم في الأغوار- سيطرة الاحتلال على المشهد الزراعي الفلاحي الفلسطيني  تحت غطاء الاستيطان الإيكولوجي

إعادة إنتاج الواقع الكولونيالي قبل عام 1948

المفارقة المأساوية المثيرة، أن الواقع الاقتصادي والزراعي الاستيطاني الحالي في الضفة والقطاع يعد تكراراً مشابها إلى حد كبير للواقع الكولونيالي الذي ساد في فلسطين التاريخية قبل عام 1948. فالاقتصاد الزراعي الفلسطيني التقليدي آنذاك دُمِّر بشكل ممنهج من خلال تسريب الأراضي الزراعية الفلسطينية للمستوطنين (وبخاصة من خلال بعض الملاكين العرب الكبار) الذين اقتلعوا الفلاحين من أراضيهم وأرغموهم على التحول إلى عمال غير مهنيين.  

كما سيطرت الحركة الصهيونية (قبل عام 1948)، بشكل منظم وتدريجي، على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة التي اقتُلِع الفلاحون الفلسطينيون منها، لإنشاء المستوطنات عليها، وهذه الأخيرة اتسمت، في المجال الزراعي تحديدا، بتنوع الأنماط الاقتصادية-الإنتاجية-الاجتماعية؛ من قبيل "الكيبوتس" و"الموشاف" وغيرها من التعاونيات الزراعية الهادفة إلى مواجهة السكان الفلسطينيين الأصليين. لهذا الغرض، وعبر استفادته من المناخ الدولي لصالحه، اعتمد المشروع الصهيوني آنذاك على تدفق رؤوس الأموال الصهيونية لتعزيز الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين والاستيطان وشراء الأراضي الزراعية الخصبة.  كما خطط للاستيلاء على أهم الفروع الاقتصادية الفلسطينية آنذاك، وفي طليعتها فرع الحمضيات (الصباغ، زهير2018. الطبقة العاملة الفلسطينية).

إذن، الواقع الاستيطاني اليوم الذي هَشَّمَ ويهشم مقومات الاقتصاد الريفي والزراعي الفلسطيني، ليس سوى إعادة إنتاج، أشد إحكاما، للواقع الكولونيالي الذي ساد قبل عام 1948. فالعامل الأساسي الذي أدى إلى إفقار معظم الفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967 أو تحولهم إلى عمال يخدمون الاقتصاد الإسرائيلي، بعيدا عن أماكن سكنهم، أو إلى أجراء في خدمة الاقتصاد الاستهلاكي والخدماتي بالمدن الفلسطينية، أو إلى عاطلين عن العمل- العامل الأساسي لذلك هو نهب الاحتلال لأراضيهم ومواردهم الزراعية وبالتالي تحطيم الزراعة الفلسطينية.  بمعنى أن بروز فائض في اليد العاملة الفلسطينية الزراعية المستغنى عنها في الريف الفلسطيني ليس نتيجة بطالة عانت منها اليد العاملة الزراعية، ما يؤدي غالبا الى انسلاخها عن الزراعة وانتقالها للعمل كيد عاملة رخيصة في المدينة، كما هو الحال في العديد من بلدان "العالم الثالث"، بل إن هذا الفائض أفرزته بشكل مباشر عملية تحطيم مقومات الاقتصاد الريفي والزراعي الفلسطيني، وإضعاف البرجوازية الزراعية بسبب المصادرات الواسعة للأراضي ونهب الموارد المائية.  وبالتالي، لعبت هذه العملية الأخيرة دورا أساسيا في الولادة غير الطبيعية والمشوهة للعمال الفلسطينيين، وحددت طبيعة اليد العاملة الفلسطينية ودورها في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل غياب البديل الاقتصادي الإنتاجي المحلي الذي كان يمكن أن يستوعب فائض اليد العاملة في الريف الفلسطيني.

وفي المقابل، أتاح الاحتلال للشريحة الفلسطينية الوسيطة (الكومبرادور) بأن تتوسع وتهيمن، ومنحها التسهيلات اللازمة للعب دور المروج لسلعه ومنتجاته الزراعية في الأسواق الفلسطينية. 

ويسود الاعتقاد الخاطئ بأن اعتداءات المستوطنين على الفلاحين والمزارعين الفلسطينيين واستباحتهم بالحرق والنهب والقتل في قراهم وبلداتهم وأراضيهم، هي حالات معزولة. في حين أن العديد من هذه الهجمات تنفذها تنظيمات ومليشيات منظمة ومسلحة، نشأت أصلا بدعم حكومي إسرائيلي، خلال عشرات السنين الأخيرة، وتتبع هياكل تنظيمية هرمية، ومرجعيات سياسية ودينية، ويعد بعضها امتدادا تنظيميا للأحزاب في الحكومة الإسرائيلية؛ بل إن عددا كبيرا من المستوطنين المتدينين متنفذ في المستويات القيادية بالجيش الإسرائيلي ومُنْخرِط به، مثل الكتيبة العسكرية في الجيش المسماة "نيتساح يهودا". ومن أبرز التنظيمات الاستيطانية "فتية التلال" التي أُنشأت في حينه بتشجيع من أريئيل شارون (رئيس حكومة ووزير دفاع سابق)، وتنظيم "تدفيع الثمن" الذي يحوي في إطاره بضعة تيارات استيطانية دينية متطرفة مثل حركة "كاخ" و"تمرد"؛ وهذا التنظيم تحديدا اقترف جرائم كثيرة ضد الفلسطينيين، أبرزها حرق عائلة دوابشة عام 2015 في دوما (جنوب نابلس)، وحرق أملاك أهالي بلدة حوارة، وحرق بعض الكنائس مثل كنيسة الطابغة في طبريا. كما برز في السنوات الأخيرة تنظيم "لَهَفا" المقرب من حزب "القوة اليهودية" (إيتمار بن غفير) الذي تمتد جذوره إلى حركة "كاخ"، وتنظيم "نَحالا" التابع لحزب "الصهيونية الدينية" (بتسلئيل سموتريتش)، وتنظيم "لافاميليا" الذي نشأ عن مشجعي أندية كرة القدم الإسرائيلية (شوكين، عاموس. هآرتس، 12/07/2022).

كبار زعماء المستوطنين يحتلون مناصب قيادية رفيعة في الجيش والأجهزة الأمنية والوزارات الحساسة والسيادية. فالمستوطن إيتمار بن غفير القاطن في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي الخليل، يشغل منصب وزير الأمن القومي المسؤول عن جهاز الشرطة وحرس الحدود والسجون.  

أما بتسلئيل سموتريتش المستوطن في مستوطنة "كدوميم" المقامة على أراضي نابلس وزعيم "الصهيونية الدينية" يتحكم بمفاصل حساسة في إدارة دولة الاحتلال، ويشغل منصب وزير المالية ووزير ثاني في وزارة الدفاع حيث يدير النشاط الاستيطاني برمته في الضفة الغربية، ويؤمن بما يسمى "حسم الصراع" وليس "إدارته"، بمعنى أن المجتمع الاستيطاني يجب أن يحسم الصراع بالقوة العسكرية وأن يغرق الضفة الغربية بالمستوطنات، وأن يخنق بالتالي أي كيانية وطنية فلسطينية، ويكرس بالتالي عملية الضم الفعلية للجغرافيا والديمغرافيا الاستيطانية الخاضعة لقوانين مدنية إسرائيلية. مصير الفلسطينيين، حسب سموتريتش، هو التهجير إلى خارج "أرض إسرائيل" لمن يرغب، أو قمع أو قتل أولئك الرافضين عملية الإخضاع، أما الفلسطينيين الذين يرضون العيش "كمواطنين" فيتم حشرهم في معازل في "دولة اليهود"، بحيث تمنحهم السلطة الإسرائيلية حقوقا أقل من اليهود، تتمثل فقط في الخدمات البلدية وحق العمل، دون أي طموحات سياسية وقومية.      

وإجمالا، الديموغرافيا الفلسطينية في الضفة، تخضع حاليا لحكم عسكري تديره "الإدارة المدنية" باسمها الجديد: "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق". وخلافا لموقف القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التقليدية التي تعتبر وجود السلطة الفلسطينية "ضرورة استراتيجية" للحفاظ على استقرار الضفة، يهدف سموتريتش إلى تفكيك السلطة، كي تتمكن دولة الاحتلال من "حسم" الصراع مع الفلسطينيين. لذا، قرر سموتريتش خنق السلطة ماليا ووقف تحويل أموال الضرائب والمقاصة إليها. كما قررت حكومة نتنياهو في حزيران/ يونيو المنصرم تطبيق قرارات لجنة الخارجية والأمن (التابعة للكنيست الإسرائيلي) المتخذة في تموز/ يوليو 2023، أي قبل عدوان السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، والقاضية بإلغاء الصلاحيات الإدارية والمدنية للسلطة الفلسطينية في بعض المناطق المصنفة "ب" (بما في ذلك الصلاحيات الخاصة بقرارات تراخيص البناء والهدم والبنية التحتية والطاقة والمياه والاتصالات والمواصلات) وإعادتها إلى "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، وبخاصة المحمية الطبيعية شرقي بيت لحم البالغ مساحتها نحو 166 ألف دونم (ما يعادل 3‎‎% من مساحة الضفة الغربية)، وتكثيف البناء الاستيطاني في مستوطنات تلك المنطقة. والأخطر من ذلك، ناقشت لجنة الخارجية والأمن أيضا إعادة مد الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى المناطق "أ"، ما يعني خنق التجمعات الفلسطينية في معازل بشرية معزولة عن بعضها ومحاصرتها بالمستوطنات والقواعد العسكرية والحواجز، وبالتالي إعدام المجال الحيوي الضروري لأي عملية تنمية زراعية وصناعية، وبالتالي خلق بيئة طاردة للكتلة البشرية الفلسطينية إلى خارج وطنها، وبخاصة الشرائح الشبابية والمتعلمة والمؤهلة علميا.

وبما أن سلطات الاحتلال شطبت عمليا صلاحيات السلطة الفلسطينية الإدارية والمدنية في المناطق "ب"، فهي بالتالي أخذت تصدر قرارات الهدم ومنع البناء في تلك المناطق، كما حدث في الخليل وبلدة بيت عوا (جنوب الخليل) في أيلول/ سبتمبر 2024، حيث هدمت منازل ومنشآت في نطاق المساحة "ب"، وفرضت على المواطن الفلسطيني استصدار ترخيص بناء اسرائيلي إذا أراد أن يبني في أرضه المصنفة "ب"؛ وكما حدث أيضا في تشرين ثاني/ نوفمبر 2024، حيث أصدرت سلطات الاحتلال أوامر هدم أو وقف بناء لنحو 20 منزلا في منطقة نابلس الجديدة (منطقة "ب"). بل، وكأمر واقع، شطب الاحتلال فعليا الصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية في بعض مناطق "أ"، فمنع البناء في بعض تلك المناطق، كما في بعض المربعات السكنية في مدينتي دورا والخليل.  

المفارقة المثيرة، أن اتفاقيات أوسلو الثانية (عام 1995) شرّعَت ضمنا لدولة الاحتلال أن تتمدد استيطانيا في مناطق (ج) التي تبلغ مساحتها 61% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.

الاتفاقيات نصت على "تحويل بعض الصلاحيات" من الإدارة المدنية إلى سلطة الحكم الذاتي، أي أن هذه الصلاحيات تبقى فعليا تحت إشراف الإدارة المدنية، وبالتالي أبقى النص عملية إعادة التحويل العكسية مفتوحة (أي سحب الصلاحيات وإعادتها إلى الإدارة المدنية). والأهم من ذلك، أن جوهر الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية هو أصلا أمني، كما يتضح من الملاحق الأمنية للاتفاقيات. لذلك، لا عجب من إلغاء صلاحيات السلطة "المدنية" من بعض مناطق (ب).

والمفارقة أن التحويلات المالية الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية تخضع غالبا لمساومات وابتزازات حزبية إسرائيلية داخلية، كما حدث في حزيران 2024، على سبيل المثال، حين وافق نتنياهو (رئيس الحكومة) على "شرعنة" خمس بؤر استيطانية مقابل أن يُحَوِّل سموتريتش (وزير المالية) بعض الأموال التي احتجزها إلى السلطة الفلسطينية، بمعنى أصبحت المعادلة: لقمة عيش موظفي السلطة مقابل التوسع الاستيطاني!


منشورات استيطانية تدعو الفلسطينيين إلى الرحيل والهجرة إلى الأردن

ما العمل؟

أثبتت الوقائع التاريخية الفلسطينية البعيدة والقريبة، والمؤشرات السياسية-الأمنية والاقتصادية الحالية، أن المشروع الاستيطاني لن يتخلى عن هيمنته النهب على الأرض والموارد الفلسطينية، وسيواصل تثبيت وجوده واستيطانه، ما دام مشروعا مريحا، بل ومربحا اقتصاديا، وما دام يفرض وجوده بالقوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة (بالوكالة)، ولا يواجه بمواجهة وصمود بطريقة مدروسة، منظمة ومنهجية، تؤلمه وتخلخل معادلة أرباحه وخسائره لصالح الخسائر بكافة أشكالها. لذا، لا يستخفنّ أحد بعقولنا، بالقول إن الشعب الفلسطيني سيتمتع يوما ما بالسيادة على أرضه وموارده الطبيعية، من خلال عملية سياسية يتحكم الاحتلال بكل تفاصيلها ومكوناتها.

الحقائق الصلبة على الأرض تؤكد بأن الاحتلال لن يرفع القيود عن القطاعات الانتاجية الفلسطينية وفي مقدمتها الزراعة، ولن يرفع القيود عن الاستثمار الخاص والعام، ولن يسمح للفلسطينيين بالوصول إلى مياههم وأراضيهم، ولن يتخلى عن سياسة الإغلاق والخنق في الضفة الغربية، ولن يرفع الحصار التجويعي عن قطاع غزة ولن يوقف جرائمه.

الوضع الطبيعي لشعب تحت الاحتلال، يفترض المواجهة المنظمة للأخير بكافة أشكالها، وتحديدا مواجهة التشوه الاجتماعي-الاقتصادي-التنموي، من خلال استراتيجية اقتصادية إنتاجية، وبخاصة زراعية، تستند إلى مشروع وطني جذري صلب على الأرض لدعم الأهالي وحمايتهم وتثبيت وجودهم في أراضيهم وقراهم وبلداتهم ومخيماتهم. 

 المشروع الوطني يتضمن، من بين أمور أخرى، المواجهة التربوية والثقافية والاقتصادية التي تتجلى في بعض جوانبها بالتربية التنموية الإنتاجية الوطنية في المدارس والجامعات وأماكن العمل، والحماية الشعبية لصغار المزارعين واستهلاك منتجاتهم، فضلا عن المبادرة لإنشاء شبكات صغيرة ومتوسطة الحجم لجمع مياه الأمطار والفيضانات والينابيع؛ إذ أن مثل هذه المبادرات الشعبية لا يستطيع الاحتلال منعها بالكامل. ولا بد أيضا من تشجيع إنشاء التعاونيات الشبابية الإنتاجية، من خلال استخلاص الدروس من تجربة العمل التعاوني الفلسطيني وتجارب التعاونيات الناجحة في مختلف أنحاء العالم.

الجدوى الاقتصادية يفترض ألا تكون هي وحدها القوة الدافعة للتوسع الفلسطيني في فلاحة الأرض، بل أساسا عودة الفلسطيني إلى هويته الوطنية الأصيلة وترسيخها وتجذير الارتباط بها، في سياق مواجهة احتلال استيطاني اقتلاعي يسرق هذه الهوية ويحرم الفلسطيني من تجسيدها ماديا على الأرض.

No comments:

Post a Comment

سمنة كبيرة

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands الاسم العلمي : Turdus viscivorus   الاسم بالانجليزية : Mistle Thrush  الاسم الآخر : سمنة الدبق , سمنة اله...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????