الأراضي المقدسة الخضراء /GHLands
هل “إعادة التدوير المتقدمة” مجرد خدعة تسويقية؟
يستمر إنتاج البلاستيك وإعادة تدويره عبر الأساليب المتقدمة في التوسع، وكذلك النفايات الناتجة عنه، وفي الوقت ذاته، تتزايد الرقابة العامة على مصنعي البلاستيك، ما يزيد الضغط عليهم لمعالجة قضايا إعادة التدوير والتلوث المتنامية، التي تمتد من مكبات النفايات المحلية إلى السواحل البعيدة.
لفت الدكتور ديفيس ألين، الباحث الاستقصائي البارز في مركز سلامة المناخ، الانتباه إلى الكيفية التي يروّج بها منتجو البلاستيك لنموذج جديد ومبهر من إعادة التدوير.
فقد روّجت بعض شركات البتروكيماويات لما يُعرف بـ”إعادة التدوير المتقدمة”، باعتباره حلاً سريعًا لأزمة النفايات البلاستيكية المتراكمة.
إعادة التدوير المتقدمة ليست اختراعًا جديدًا
تزعم الإعلانات والشعارات المبهرة أن إعادة التدوير المتقدمة قادرة على معالجة أكوام البلاستيك التي يصعب إعادة تدويرها عادةً، وذلك باستخدام عمليات تعتمد على الحرارة أو المواد الكيميائية لتحويل العبوات القديمة إلى مواد جديدة.
لكن الحقيقة أن هذه الأساليب الكيميائية موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد واجهت مرارًا وتكرارًا تحديات كبرى.
وأشار نقاد في الأوساط العلمية والسياسية إلى أن تقنيات إعادة التدوير المتقدمة لا تتعامل مع النفايات البلاستيكية بالشكل الذي يتماشى مع الضجيج الإعلامي المثار حولها.
فقد وثّق تحليل أجرته وكالة “رويترز” عام 2022 العديد من المصانع التي جربت هذه الأساليب لكنها فشلت لاحقًا، أو تأخرت، أو لم تبدأ أصلًا. كما أشارت دراسة منفصلة أجرتها شركة “ماكينزي وشركاه” إلى أن هذه الأساليب بعيدة كل البعد عن الفعالية من حيث التكلفة، مما يعيق تطبيقها على نطاق واسع.

هل إعادة التدوير المتقدمة مجرد خدعة تسويقية؟
صرّح أحد الاستشاريين بالقول: “إن مخاوف منتقدي الصناعة مبررة في كثير من الحالات”، موضحًا أن العديد من هذه التقنيات تعتمد على مواد خام بلاستيكية متجانسة ونظيفة، وهو ما يتطلب عمليات دقيقة لجمع وفرز وتنظيف البلاستيك.
إن معالجة البلاستيك المختلط أو الملوّث ببقايا الطعام يرفع بشكل كبير من تكلفة المعالجة، وهي تكاليف لا تستطيع سوى قلة من الشركات تحملها على المدى الطويل، وغالبًا ما يُحوّل جزء كبير من الناتج إلى وقود أو شمع بدلًا من إعادة تدويره إلى بلاستيك جديد.
وأشار خبراء من المختبر الوطني للطاقة المتجددة إلى أن أنظمة التحلل الحراري والتغويز غالبًا ما تُنتج فقط كميات ضئيلة من المواد الخام الصالحة لإنتاج سلع جديدة.
وهذا يُقوّض مفهوم “الدورة الحقيقية” التي يُعاد فيها تدوير كل منتج بلاستيكي إلى منتج آخر بأقل قدر من الفاقد.

غياب التغيير الجاد
يزعم بعض المنتجين أن مشاريع إعادة التدوير المتقدمة الخاصة بهم ستقلل من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وتنظف المجتمعات الملوثة، ومع ذلك، وجد تحليل أجرته منظمة GAIA البيئية أن العديد من هذه المشاريع تُصدر مواد ضارة، خاصة عند استخدام عمليات الحرق. وبالنظر إلى استهلاك الطاقة العالي، قد تكون الانبعاثات الإجمالية كبيرة، مما يُضعف مصداقية أي تصريحات حول الفوائد البيئية.
وفي الأثناء، يشير العديد من رؤساء البلديات إلى نقص البيانات المنشورة حول النتائج الواقعية لتلك المشاريع، ويخشون من أن تُعيق وعود “إعادة التدوير المتقدمة” تطبيق حلول أكثر فاعلية، مثل تبسيط تصميم العبوات أو فرض قواعد أكثر صرامة لجمع النفايات.
وقد أشار تقرير صادر عن شركة “باين آند كومباني” في عام 2023 إلى أن التركيز المفرط على إعادة التدوير الكيميائي قد يعرقل تطوير منظومات قوية لإعادة التدوير الميكانيكي وتقليل استخدام التغليف المفرط.

الاقتصاد الدائري في الميزان
تسوق بعض الإعلانات الصناعية “إعادة التدوير المتقدمة” باعتبارها مفتاحًا لتحقيق “الاقتصاد الدائري”، الذي يقوم على دورة مستمرة من إعادة الاستخدام والتدوير. ولكن لتحقيق هذا المفهوم، يجب أن يتحول الناتج إلى بلاستيك جديد بشكل فعّال.
في كثير من الحالات الموثقة، يُحوَّل الجزء الأكبر من الكربون إلى وقود أو يُفقد أثناء المعالجة، مما يترك عائدًا ضئيلًا لا يُلبّي توقعات الاقتصاد الدائري.
ويؤكد المنتقدون أن الاقتصاد الدائري الحقيقي يبدأ من تقليل الاعتماد على المواد الخام من الأساس. ويشيرون إلى أن جهود إعادة التدوير المتقدمة لا تُجدي إلا إذا تم تجميع غالبية البلاستيك بشكل فعّال عبر أنظمة إعادة التدوير الميكانيكية، وهو أمر لا يتحقق على نطاق واسع حتى الآن.
وبدون تحسين كبير في آليات الجمع والفرز، فإن هذه العمليات المعقدة لن تقدم الكثير لحل أزمة مليارات الأطنان من البلاستيك المنتشرة في المكبات والأنهار والمحيطات.

وعود ضخمة ونتائج محدودة
من الطبيعي أن يتطلع صناع القرار والمستهلكون إلى حلول سريعة وسحرية، خاصة في ظل التحديات المتصاعدة للنفايات البلاستيكية، التي أصبحت مصدر ضغط على ميزانيات المدن وموائل الحياة البرية وحتى صحة الإنسان، مع استمرار اكتشاف جزيئات بلاستيكية دقيقة في الماء والتربة.
لكن الإيمان المفرط من قِبل الصناعة بإعادة التدوير المتقدمة يتجاهل التحديات الفنية والمالية الحقيقية.
إن المجتمعات المتضررة من النفايات البلاستيكية تستحق الشفافية. ويتساءل العديد من القادة المحليين عما إذا كانت إعادة التدوير المتقدمة مجرد حملة دعائية تحول الانتباه عن حلول أكثر بساطة وفعالية، مثل تقليل الإنتاج، أو تعزيز إعادة الاستخدام.
إن التناقض بين الروايات المؤسسية والنتائج الواقعية يعكس الحاجة إلى مزيد من البيانات، ومزيد من التدقيق، وتشديد الرقابة.
ما مستقبل إعادة تدوير البلاستيك؟
يرى بعض الخبراء أن الاستخدامات المتخصصة لإعادة التدوير الكيميائي قد تظل محدودة في نطاقات معينة من البلاستيك، بينما تبقى الأساليب الميكانيكية هي الخيار المهيمن في معظم برامج البلديات.
ويبدو أن الجمع بين التصميم الأفضل للمنتجات، وتحسين آليات الجمع، وزيادة وعي المستهلك، يمكن أن يؤدي دورًا أكبر في الحد من النفايات البلاستيكية، مقارنة بالتقنيات التي لم تثبت جدواها حتى الآن في الواقع العملي.
وما لم تُفرض قواعد أكثر صرامة، وتُنشر بيانات أكثر شفافية، فسيظل من الصعب التحقق مما إذا كانت إعادة التدوير المتقدمة تفي فعلًا بالوعود اللامعة التي تسوقها الشركات.
ربما تحقق بعض الشركات نتائج جيدة مع أنواع معينة من البلاستيك، لكن من غير المستقر ربط مستقبل إدارة النفايات بهذه التقنيات وحدها.
ويطالب المدافعون البيئيون والحكومات المحلية بحلول حقيقية تتجاوز مجرد التسويق. وتُظهر العديد من التحقيقات أنه إذا لم تتمكن شركات البلاستيك من تقديم نتائج قابلة للتطبيق تجاريًا، فإن “إعادة التدوير المتقدمة” قد تنتهي إلى أن تكون حملة جوفاء جديدة تُعطّل التغيير الحقيقي.
No comments:
Post a Comment