نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Monday, May 5, 2025

الاستيطان الزراعي استعادة لطلائعية الاغتصاب

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands


تقرير خاص لمجلة آفاق البيئة و التنمية 

في الطريق إلى قرية الشباب في كفر نعمة كانت الحافلة تتحرك ببطء في الطريق الواصل إليها، قرب جبل الريسان الذي استولى المستوطنون عليه، وهو يقع ما بين قرى ثلاث؛ هي الجانية وخربثا وكفر نعمة غربي محافظة رام الله، اضطر سائق الحافلة أن يوقفها ليمرر قطيعًا من الأغنام كان يعبر الشارع، وبعد أن قطعته، بلكنة عبرية غربية قال الراعي للسائق (تودارباه) أي شكرًا.

في تلك اللحظة؛ استغرب الشباب في الحافلة، فهم لم يتعودوا أن يروا في جبال الضفة راعيًا غير عربي، لكن ذلك بات حقيقة، تقابل حقيقة أخرى هي أن الراعي العربي الفلسطيني أضحى محظورًا عليه أن يرعى غنمه في منطقة وضعَ الاستيطان يده وقدمه الثقيلة عليها، وبدلاً من أن يرعى محمد بات شلومو هو الراعي، بل ويحمل عصا وبندقية، واحدة يهشّ بها غنمه، والبندقية لقتل العربي.

ضمن مقررات المؤتمر الصهيوني الأول في بال (أواخر القرن التاسع عشر) كان البند المتعلق بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية، واستيطانها بالمهاجرين اليهود القادمين من أوروبا، حيث لم يكن لهم علاقة متينة بالزراعة والأرض في الغيتو المكتظ بالصيارفة والمرابين، كان هذا البند مرتبطًا بإجراءات تنفيذية تقوم على ضرورة استقدام العاملين في الزراعة وربطهم بالأرض.

 وقبيل الهجرات الأولى أواخر القرن التاسع عشر؛ أنشأت الحركة الصهيونية آنذاك مدرسة للتعليم الزراعي هي "مكفيه يسرائيل" قرب يازور في منطقة يافا، وتَبعها إنشاء معهد خضوري في المنطقة ذاتها، هذا المعهد الذي خَرَّجّ كثيرًا من "الكيبوتسيين" الذين أصبحوا فيما بعد قادة عسكريين وسياسيين ومنهم يتسحاق رابين وأرئيل شارون.

بدأت العلاقة مع الاستيطان الزراعي بتجفيف بحيرة الحولة والمستنقعات في محيطها، إضافة إلى بناء نماذج تعاونية مثل زخرون يعقوب في الشمال، وبيتاح تكفا في الوسط، لتقود الحركة الكيبوتسية و"الكيرن كييمت" عمليات الاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

لقد تحوّل أبناء الصيارفة والمرابين الأوروبيين إلى حراّثين وحصادين ورعاة أبقار وأغنام، في إطار مشروع إمبريالي مخطط ومدروس، حتى استطاعوا السيطرة على معظم الأراضي الزراعية الفلسطينية الخصبة في إثر نكبة عام 1948.

هذه الطلائعية التي قادها شبيبة "الناحال" و"الجدناع"، وهي منظمات كشفية شبه عسكرية كانت تزرع في النهار وتحمي ما زرعته في الليل، أسهمت في خلق التراكم الرأسمالي لمجتمع "الييشوف" (مجتمع الاستيطان) ودفعت نحو تطوره إلى مجتمع صناعي دون أن يتخلى عن سيادته على غذائه، ومن هنا تشكّل نوع من الإرث الثقافي للعلاقة الاستيطانية مع الأرض.


الاستيطان الصهيوني الطلائعي في أوائل القرن العشرين- Britannica

الأرض هي هدف الاستيطان المركزي

عناصر بناء الدولة الاستيطانية تقوم على ثلاثة أركان، الأول هو السيطرة على الأرض، والثاني هو استزراع المهاجرين (المستوطنين) فيها، والثالث هو حماية المشروع الاستيطاني.

من دون المهاجرين لا يمكن الاستيطان، ودون حمايتهم وحماية الأرض المُستولى عليها لا يمكن للاستيطان أن يستديم، لذا، كان ربط الصهيونية بين هذه العناصر الثلاثة مُحكماً وقوياً، ما حَوَّل الكيبوتسات الزراعية إلى مخزن للجنود والضباط والقيادات العسكرية.

لم تتوقف عملية استهداف الأرض منذ بدء الاستيطان الصهيوني، سواء بالشراء أم عبر منح من سلطة الاحتلال البريطاني أم تسهيلات قدمتها الحكومة البريطانية للحركة الصهيونية لوضع اليد على الأراضي الأميرية، أم بالاحتلال العسكري المباشر واغتصاب الأرض الذي حدث في أعقاب نكبة 1948 وإصدار قانون الغائب الذي شرع يسيطر على كل أملاك اللاجئين الذين شرّدتهم الحرب، وظلت الطبيعة التوسعية مهمازًا يحرك النهم للاستيلاء على مزيد من الأراضي بشن الحروب والتوسع، وبسط السيطرة وإطلاق يد المستوطنين في نهب الأرض، وتهديد المواطنين ودفعهم للرحيل.

الاستيطان الرعوي والزراعي يعوض النقص

بما أن عدد اليهود في العالم كله محدود، ولأن الهجرة من أوروبا وأميركا إلى بلاد تشتد فيها الحروب باتت غير جاذبة، فكان لا بد من التحول في شكل الاستيطان أو إضافة شكل جديد للاستيطان، فتسمين المستوطنات القائمة بات كفيلاً بسد الحاجة للمساكن لتغطي النمو الطبيعي لسكان المستوطنات التي حولت الضفة الغربية إلى أرخبيل، وبات الآن على التخطيط الاستيطاني أن يدرس خيارات أخرى لإشباع نهمه في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، هذا النمط الاستيطاني القديم الجديد؛ بات تعويضًا للنقص في القوى البشرية اللازمة لتغطية المساحة المطروحة للاستيطان، فكان الاستيطان الزراعي والرعوي حلاً يستند إلى حكومة توراتية فاشية ذات نهم في توسيع الاستيطان عن طريق استهداف الأراضي المصنفة "ج"، والاستيلاء على ما أعلنته الحكومة "أراضي دولة"، وإعلان أراضٍ أخرى محميات طبيعية لتنفيذ مخطط الضم، وإلحاق ضرر كبير بقطاعَي الزراعة وتربية المواشي الفلسطينيين.

هذا يحدث جنوبي الخليل في مسافر يطا وأراضي الظاهرية، وفي السفوح المطلة على الغور، مثل منطقة المعرجات بين أريحا ورام الله، يرافق ذلك اقتلاع الأشجار المثمرة ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم المزروعة أو إلى المراعي، وهدم البيوت والمرافق العامة الفلسطينية في تلك المناطق.

من جهته، عدَّ أمير داود، مدير عام النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان "البؤر الزراعية والرعوية" من أبرز عناوين المشروع الاستيطاني الساعي لضم مزيد من الأرض الفلسطينية، عن طريق رعاة مستوطنين مسلحين بحماية من جيش الاحتلال، بهدف ربط المستوطنات عبر السيطرة على مساحات شاسعة من الأرض، وعزل البلدات الفلسطينية عن بعضها البعض، وعزل السكان عن المصادر الطبيعية، وتهجير الفلسطينيين، وضرب الديموغرافيا الفلسطينية، إضافة إلى إنشاء جيوب استيطانية جديدة.


التمدد الاستيطاني الإسرائيلي دون توقف في الضفة الغربية- UN

عمل غير رسمي بتغطية رسمية

يتخذ الاستيطان الرعوي والزراعي مسارين، الأول رسمي يشرّع الاستيلاء على الأرض تحت ذرائع شتى، ولم تعد حكومة الاحتلال بحاجة إلى ذرائع، بل هي تقود العملية علانية باعتبارها أحد الإنجازات لاستكمال السيطرة على "أرض إسرائيل"، أما المسار غير الرسمي فهو ناتج عن نشاطات المجموعات الاستيطانية المغطاة من الحكومة والمرصود لها ميزانيات خاصة.

البؤر الرعوية بالأرقام

حسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بلغ عدد البؤر 89 بؤرة على مساحة تُقدر بـ208,000 دونم تقريباً، وعدد البؤر المختلطة التي تجمع بين السكن والزراعة والرعي تبلغ 6 بؤر.

وأول بؤرة زراعية أُنشئت عام 1984 على أراضي أهالي محافظة الخليل، وبلغ عدد سكانها 850 مستوطناً، ومن ثم توالى إنشاء البؤر حتى سنة 2012، ووصل في حينه ما مجموعه 18 بؤرة موزعة على أراضي المواطنين في الضفة الغربية.

وبينّت الهيئة أن هناك تسارعاً كبيراً في إنشاء البؤر الزراعية والرعوية منذ سنة 2012 وعلى نحو غير مسبوق؛ إذ سجلت محافظة الخليل أعلى عدد من البؤر الزراعية، وتبلغ اليوم 22 بؤرة، تليها 21 بؤرة في محافظة رام الله، وحلت محافظة نابلس في المركز الثالث حيث أقيمت فيها 14 بؤرة، إضافة إلى 9 بؤر في محافظة طوباس، و8 بؤر في بيت لحم، و6 بؤر في سلفيت، و4 بؤر في أريحا وجنين، وبؤرة واحدة في طولكرم.

أما وزارة الزراعة الفلسطينية فبينّت أن مساحة المراعي في الضفة الغربية تبلغ 2,2 مليون دونم، وتشكّل نحو 30% من مساحة الضفة، وتتركز في السفوح الشرقية بين الأغوار والجبال الغربية، وأكثر من 90% من تلك المساحة واقعة ضمن الأراضي المصنفة "ج".

وهناك تسارع في وتيرة الاستيطان الزراعي والرعوي، إذ جرى التهام أكثر من ربع مليون دونم من تلك الأراضي، ما يؤكد تمركُز البؤر الاستيطانية الزراعية الرعوية في السفوح الشرقية للضفة الغربية وربْطها بالمستوطنات من أجل حمايتها.

علماً أن انتشار البؤر الرعوية أخلَّ بميزان الطبيعة في مختلف مناطق الضفة الغربية، إذ تدهورَ الغطاء النباتي، ومال إلى التصحر في معظم الأراضي المسيطَر عليها.

كما تأثُر الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي، وهو ما انعكس مادياً على الدخل القومي الفلسطيني، إذ أن استغلال الأراضي الزراعية في المناطق المصنفة "ج" كان من شأنه أن يدر دخلاً سنوياً لميزانية السلطة الفلسطينية بما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنوياً[1].


توسع هائل في الاستيطان الزراعي الإسرائيلي بالضفة الغربية (السلام الآن)

دور حكومة الاحتلال

بعد السابع من أكتوبر عام 2023 وفي شباط 2024 قررت الحكومة الإسرائيلية استمرار تمويل البؤر الرعوية والزراعية باعتبارها أداة للسيطرة على مزيد من الأرض.

وسبق أن قررت حكومة بينيت- لبيد في تاريخ 19 تشرين ثاني من عام 2021، تخصيص 20 مليون شيكل سنوياً لكل من الأعوام 2022 و2023 و2024 من أجل "دعم المجموعات التطوعية العاملة في التجمعات الريفية التي تمارس نشاطاً زراعياً كبيراً في المناطق ذات الأولوية الوطنية".

وقد أعيد تعديل ميزانية البؤر الاستيطانية الرعوية والزراعية في 4 شباط 2024، على ضوء الاقتطاعات المالية التي استوجبتها الحرب؛ إذ نُقِلَت الميزانية من وزارة النقب والجليل إلى وزارة الزراعة.

ومع ذلك، في سياق التخفيضات الواسعة في الميزانية، هناك موافقة على أن دعم البؤر الاستيطانية غير القانونية هو أولوية قصوى للحكومة.[2]

ماذا عن مواجهة هذا التمدد الاستيطاني بشكله الجديد؟

تحفل تقارير أي مؤسسة معنية بذلك سواء كانت رسمية أم غير رسمية بعمليات وصف وشرح دقيق للظاهرة، وتقدم تحليلات مبنية على الأرقام والملاحظات الميدانية، لكن هذه الهيئات لم تقدم أي طريقة أو خطة لمواجهة ذلك، مع أن البعد غير الرسمي هو الأكثر وضوحًا في نشاط الاستيطان الرعوي، إلا أن رد فعل الحكومة الفلسطينية أو الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني على ذلك هو رد عاجز مكتف بالبيانات والتصريحات والشكاوى، دون أي خطة عملية للمواجهة الميدانية مع هذا السرطان المستفحل.

لقد طرحنا في مقالة سابقة أن هناك ضرورة لتشريع قانون فلسطيني للخدمة الوطنية يجنّد الشباب في عمل مضاد لهذا النشاط الاستيطاني، لكن القيود المفروضة على السلطة تمنعها من ذلك، مع أن الوقائع السائدة تؤكد أن السلطة لا ترغب في ذلك، وبالتالي جلّ ما تستطيعه وتفعله لا يعيد مرعى صغير لأصحابه.

هنا لا بد من مؤتمر وطني يناقش تفعيل دور الشباب في مواجهة الاستيطان يخلص إلى خطة عملية لذلك.

وفيما أصبحت الأرض الفلسطينية موضوعًا للاستيطان الرعوي المقلد لتراث الاستيطان الطلائعي الصهيوني منذ أواخر القرن التاسع عشر، باتت القرية الفلسطينية وأرضها مرتعًا للسماسرة والمضاربين العقاريين، وهذا ليس إلا تعبيرًا عن الغياب التام عن مهمة حماية الأرض.

 

No comments:

Post a Comment

الاحتلال يُجري عمليات تجريف في سهل يعبد

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بعمليات تجريف في سهل يعبد جنوب جنين.   وقالت مصادر محلية،...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????