الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
أنماط الحياة.. السلاح المنسي في معركة المناخ
عندما يدور الحديث حول التصدي لأزمة المناخ، تذهب الأنظار غالبًا إلى التكنولوجيا المتقدمة، والمعاهدات الدولية، ومشروعات البنية التحتية الكبرى. لكن دراسة علمية جديدة أعادت تسليط الضوء على عامل بالغ الأهمية ظل لسنوات في الهامش: أسلوب الحياة اليومي.
فقراراتنا الفردية – من نوع الطعام الذي نستهلكه، إلى كيفية تنقّلنا، وحتى ما نشتريه – تملك تأثيرًا مباشرًا على البصمة الكربونية العالمية.
ومع أن هذه الحقائق قد تبدو بديهية، إلا أن الدراسة المنشورة حديثًا في مجلة Nature Communications تكشف بالأرقام المدهشة مدى قوة هذا التأثير.

23% من البشر يمكنهم خفض الانبعاثات بـ10.4 جيجا طن!
تشير الدراسة إلى أن 23.7% فقط من سكان العالم – وهم الأعلى من حيث الاستهلاك والانبعاثات – يمكنهم، عبر تغييرات مدروسة في نمط حياتهم، خفض انبعاثات الكربون العالمية بنحو 10.4 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
وهو ما يعادل 40.1% من البصمة الكربونية للأسر في 116 دولة.
هذه النسبة الضخمة تكفي لسد جزء كبير من فجوة تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، وتضع الأفراد في قلب الحل بدلًا من اعتبارهم مجرد متلقين للسياسات أو التكنولوجيات.

كيف؟ 21 إجراءً تغيّر الواقع
اعتمد الفريق البحثي إطار “التجنب، التحول، التحسين” لتقييم 21 إجراءً عمليًا لأنماط حياة منخفضة الكربون، مثل:
• تجنب الاستهلاك المفرط.
• التحول إلى خيارات منخفضة الكربون (مثل المواصلات العامة).
• تحسين الكفاءة (مثل العزل الحراري للمنازل).
وأظهرت النتائج أن تقليل الاعتماد على الخدمات التجارية يأتي في صدارة الإجراءات، مسهمًا بانخفاض نسبته 10.9% في الانبعاثات، يليه اتباع نظام غذائي نباتي صحي (خفض بنسبة 8.3%)، ثم تحسين كفاءة الطاقة في المباني (6%)، والتحول إلى المواصلات العامة (3.6%)، وحتى مشاركة الأجهزة المنزلية أو إصلاحها (3%).

حتى الدول منخفضة الانبعاثات يمكنها إحداث فرق
الدراسة لم تتوقف عند الدول الصناعية أو الغنية، بل كشفت أن حتى بعض الدول ذات البصمة الكربونية المنخفضة – مثل ناميبيا وموريشيوس – تملك إمكانات كبيرة لتقليل الانبعاثات.
ففي ناميبيا، يمكن لتغييرات في سلوكيات الطعام والسفر أن تخفض الانبعاثات بنسبة 45.6%، أما في موريشيوس فالنسبة تصل إلى 52.5%.
هذه النتائج تعكس أهمية اتخاذ خطوات محلية مخصصة، بدلًا من الاعتماد على حلول موحدة لا تُراعي السياقات الاقتصادية والثقافية المختلفة.
الوجه الآخر للعملة: “تأثير الارتداد”
من اللافت أن الدراسة حذّرت من ما يُعرف بـ*”تأثير الارتداد”*، وهو أن يُعاد إنفاق الأموال المدخرة من أنماط الحياة المستدامة على سلع أو أنشطة كثيفة الكربون، ما يُضعف الفوائد المحققة.
ففي السيناريو الأسوأ الذي يحاكي هذا التأثير، تُفقد نحو 45.8% من الانبعاثات التي تم توفيرها. لذا توصي الدراسة بسياسات ذكية توجه الإنفاق نحو خيارات مستدامة، مثل الاستثمار في الطاقة النظيفة أو النقل منخفض الكربون.

الحكومات ليست بعيدة عن الصورة
رغم أن التركيز ينصب على الأسر، فإن السياسات العامة تظل ضرورية لتمكين التحوّل. تقدم الدراسة نماذج ناجحة من دول مثل إسبانيا وباكستان التي دعمت تقليص أيام العمل الأسبوعية، والعمل عن بُعد، مما ساعد على تقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات.
كما تشجع الدراسة على تطبيق سياسات مثل:
• تسعير الكربون.
• العلامات البيئية على المنتجات.
• تحسين البنية التحتية للدراجات والمواصلات العامة.
• تحفيز السلوكيات الخضراء بحملات وطنية.

نحو مؤتمر الأطراف الثلاثين COP30… الرسالة واضحة
مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30)، تضع هذه الدراسة الأفراد – لا الحكومات وحدها – في قلب المعركة المناخية.
إنها لا تطلب منا المعجزات، بل تغييرات بسيطة، ملموسة، وقابلة للتطبيق، تبدأ من البيت وتنتهي بالكوكب.
كما تقول الباحثة المشاركة في الدراسة، الدكتورة “يولي شان” من جامعة برمنغهام:
“تبني أنماط حياة منخفضة الكربون لم يعد مجرد خيار أخلاقي، بل هو وسيلة قابلة للقياس ومؤثرة في تقليل الانبعاثات وتحقيق أهداف المناخ.” نقلا عن https://greenfue.com

No comments:
Post a Comment