الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
يعود تاريخ إمَّاتين؛ القرية الفلسطينية في محافظة قلقيلية، إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، وتحديدًا فترة العهد الآرامي السرياني. ويلاحظ المُتتبع أن الآثار الآرامية تكثر على أراضيها، وتنتثر بين طبقات تربتها، وتكشف الشواهد أن القرية الحالية تعتلي قرية قديمة مدفونة أسفلها؛ فأينما حفر أهل القرية عثروا على آبار قديمة وبيوت وكهوف كانت مأهولة ومواد أثرية تدل على حياة دبَّت فوقها يوماً، وتشير بأصابع متيقنة إلى الحضارة الآرامية.
يُعتقد أن اسم القرية" إماتين" له جذور تاريخية ولغوية قديمة تعود للحقبة الآرامية. وقد أشار المؤرخ مصطفى الدباغ في موسوعته "بلادنا فلسطين" إلى ذلك، قد يكون الجزء الأول من هذا الاسم( إمّا) آرامياً ويعني المكان الأول والمفضل، وهو مشتق من الجذر" أمّ" الذي يفيد الأولوية، أما الجزء الثاني (ين) فهي علامة تثنية في اللغة الآرامية، ما يشير إلى أن الاسم قد يعني المكانين الأولين أو المفضلين.
روايات تاريخية وشعبية يتداولها سكان المنطقة تفسر سبب التسمية، على سبيل المثال وبحسب عضو المجلس القروي "كمال البري" فإن الاسم يعود إلى الجذر السامي القديم "أمت" أو "إمت"، ويعني أرض أو أمة أو ناس.
ويقول البري أيضاً عن التفسيرات الشائعة: "جاء اسم "إماتين" من كلمة "الأمهات"، وذلك لتجمع الأمهات فيها، حيث أن عدد النساء كان يفوق عدد الرجال فيها في فترة من الزمن".
ويتناقل أهل القرية أسبابًا أخرى، منها أنه سكنها في القِدم أُمَّتان على ديانتين مختلفتين فسمِّيت أُمَّتين، حُرّف الاسم بعدها ليصبح إمَّاتين. ويُقال أيضاً إن التين كان يكثر فيها فأسموها بـ" أم التين"، ومع مرور الوقت تطور الاسم ليصبح "إمَّاتين".
بقايا خربة افقاس- تصوير كمال مخلوف
خِرب تشهد على تاريخ المنطقة العريق ومحاولات لتغييبه
يتبع للقرية خِرب كانت مأهولة في الماضي السحيق، ما تزال آثارها شاهدة على الحياة التي دبَّت على أرضها في عصور احتفظت الأرض ببقاياها حية حتى الآن، وهذه الخرب عرضة باستمرار لاعتداءات الاحتلال، حيث ينفذّ حفريات للكشف عن أي آثار للسيطرة عليها، وهذه الخرب هي:
* خربة إفقاس: تقع في الجنوب الشرقي للقرية، وعُثر فيها على بقايا أبنية قديمة، وبناء علوي وصخور منحوتة وعتبة باب عليا منقوشة.
* خربة قسطينة: وتقع في شمال القرية، وبحسب موسوعة بلادنا فلسطين فإن القرية تضم أنقاض مبانٍ وآثار منطقة سكنية قديمة كانت قائمة في الماضي البعيد، يُعتقد أنها تعود للفترة الآرامية، لكنها تهدمت أو اندثرت بمرور الزمن. وربما استخدمت لأغراض زراعية أو سكنية ما يعكس نمط الحياة الريفي التقليدي الذي كان شائعاً في جبال وريف فلسطين.
كما يحيط بالقرية خِرب أخرى قريبة هي: طفسة، دير اقطيس، والخليلة.
تحتوي هذه الخرب على بقايا معمارية تشير إلى وجود قرى قديمة في المكان، فقد عُثر فيها على أبنية، وبيوت، وكهوف، وقدور فخارية، وأدوات زينة من العظام كالأساور.
ففي طفسة مثلاً يوجد آثار تعود إلى الفترة الرومانية من بقايا منازل مهدمة، وأساسات وعتبات أبواب منقوشة (تعكس الطابع المعماري والحرفي لتلك الحقبة) وسجن قديم (يشير إلى وجود نظام إداري أو قضائي في الماضي) وآبار وصهاريج كانت تُستخدم لجمع مياه الأمطار.
![]() | ![]() |
منطقة جبلية في إماتين عُثر فيها على آثار أرامية | أحد الكهوف المكتشفة في إماتين- خاص بآفاق البيئة والتنمية |
ويوجد في خربة طفسة مسجد قديم، يلفت الباحث ممدوح البري إلى أنه بناء قديم أُعيد تدوير أساساته وأعمدته لاحقاً، والأمر ذاته ينطبق على مسجد النصر والبيك والحنبلي في نابلس، فقد كانت أديرة آرامية إبان الحكم الروماني البيزنطي في فلسطين، أعاد العرب المسلمون وسكان البلاد الأصليون تدويرها وإعادة استخدامها بعدما انتشر الإسلام في هذه البقاع.
كما عُثر في هذه الخِربة على آثار تشير إلى الحضور العثماني في المنطقة، منها بقايا مدرسة عثمانية يُرجح أنها أُسست عام 1306 هـ.
في خِرب طفسة وإفقاس تسكن حالياً تجمعات بدوية دائمة، يعيش أفرادها في خيم وكرفانات غير ثابتة، في ظروف معيشية صعبة تفتقر إلى الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وشبكات صرف صحي، إضافة إلى عزلة جغرافية تُعيق الوصول إلى المدارس، والمراكز الصحية، وفرص العمل، وهي عرضة لتهديد دائم من سلطات الاحتلال بالهدم بحجة البناء دون ترخيص، وتتكرر محاولات الاحتلال لإخلائها ومنع البناء فيها والسيطرة عليها.
أشجار زيتون قطعها المستوطنون في قرية إماتين- منظمة بتسيلم
الاستيطان وجدار العزل العنصري يحاصران القرية
يحاصر جدار العزل العنصري القرية من جهة الشمال ويمتد إلى الغرب والجنوب الغربي، وبالتالي عزل نحو 2,843 دونماً من أراضي القرية، وحال دون وصول أصحابها إليها، وقيّد حركة السكان وأثر سلباً على حياتهم ووضع أمامهم عوائق أمنية واقتصادية، ووضع العراقيل أمام حصولهم على الخدمات الأساسية، ما زاد معاناة السكان في حياتهم اليومية.
ويحيط بقرية إماتين، مستوطنات وبؤر استيطانية تؤثر إلى حد كبير على سكانها وحياتهم وأراضيهم الزراعية، وهذه المستوطنات على النحو الآتي:
1. عمانوئيل
تقع شرق قرية إماتين، قرى محافظة قلقيلية التي أُقيمت عليها المستوطنة وهي جينصافوط، إماتين، والفندق.
أنشأت سلطات الاحتلال عام 2012 محطة لترحيل النفايات بالقرب من مستوطنة عمانوئيل فوق أراضٍ فلسطينية مُصادرة بجانب المجمع الصناعي التابع للمستوطنة من الجهة الشرقية، اُستخدمت لفصل المخلفات البلاستيكية والمعدنية، حيث تُنقل النفايات من داخل إسرائيل إلى هذه المحطة، لتُفرز، ويُعاد نقلها مرة أخرى؛ ما ساهم في إحداث تلوث بيئي في المنطقة وإتلاف الحياة البرية وتخريب الأراضي الزراعية، كما يعاني سكان إماتين المخلفات التي تلقيها المصانع التابعة للمستوطنة في أراضيهم.
2. كدوميم
تقع شرق مدينة قلقيلية/ شمال الضفة الغربية، وهي واحدة من أقدم المستوطنات التي أُقيمت بعد احتلال عام 1967، وتتميز بكونها ذات طابع أيديولوجي ديني قوي، ومقامة على أراضي قرى فلسطينية عدة، منها كفر قدوم، وإماتين، وجيت.
يتمثل خطر مستوطنة كدوميم في استمرارها في مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح توسيعها، وفي اعتداءات مستوطنيها المتكررة على المزارعين، واتخاذها نقطة انطلاق لهجمات المستوطنين وإنشائهم بؤر استيطانية أخرى في المنطقة، وإغلاقهم الطرق وفرضهم قيوداً على حركة الفلسطينيين في المناطق القريبة منها.
أما البؤر الاستيطانية فهي:
1- حفات جلعاد:
بؤرة استيطانية أُقيمت إلى الشرق من قرية إماتين. يُعرف مستوطنوها بالتطرف والعنف، ومهاجمة المزارعين في أثناء تواجدهم في حقولهم بحماية جيش الاحتلال أو تحت بصره وصمته، يعتدون عليهم، وعادة ما يتسلحون ببنادق رشاشة، كما يستخدمون العصي والحجارة والأسلحة النارية؛ لإرهاب السكان الفلسطينيين لعل ذلك يدفعهم إلى هجرة أراضيهم، ضمن سياسة تهويد الأرض الفلسطينية وتوسيع رقعة المستوطنات.
2- فرعتا: تقع ضمن أراضي قرية إماتين، وتتسبب في احتكاك مباشر مع سكان القرى، حيث تشهد المنطقة اعتداءات متكررة من المستوطنين، وتحمل هذه البؤرة الاستيطانية اسم قرية فرعتا، الواقعة شرق قرية إماتين والملاصقة لها.
تتكرر اعتداءات المستوطنين من المستوطنات القريبة والبؤر الاستيطانية المنشأة حديثاً على إماتين والقرى الأخرى القريبة، ففي كل مرة يسلبون المزيد من الأراضي التي يجرفونها ويحيطونها بأسلاك شائكة ويزرعونها لتعزيز السيطرة عليها، وبالتالي منع أصحابها من الوصول إليها بقوة السلاح وحماية الجيش، وتخريب الأراضي المزروعة وقطع أشجار الزيتون وحرقها، وسرقة محصول الزيتون بعد قطفه، بل بعد عصره أحياناً في موسم حصاد الزيتون.
كما يسرقون المعدات الزراعية والمواشي، وكذلك يمنع جيش الاحتلال المزارعين من الوصول إلى زيتونهم إلا بعد الحصول على تصريح خاص وتنسيق أمني.
كما يطلق المستوطنون خنازير برية في أراضي الفلسطينيين القريبة من المستوطنات، تعيث فساداً وتتسبب في خسائر كبيرة للمزارعين ناتجة عن تدمير الحقول والمزارع وإتلاف المحاصيل الزراعية، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة.
ومن المؤكد أن هذه المستوطنات تُشكل تهديداً مستمراً لأهالي إماتين والقرى الأخرى القريبة من المستوطنات، وتؤثر سلباً على حياتهم اليومية ومصادر رزقهم، وتهدد وجودهم على أرضهم.
![]() | ![]() |
جزء من مغارة عُثر عليها حديثاً في إحدى العزب التابعة لإماتين ويتضح أنها استخدمت للسكن قديماً- خاص | في موسم قطاف الزيتون الماضي مستوطنون يهاجمون أراضي الفلسطينيين خلال تواجد المزارعين في أراضيهم في إماتين بحماية الجيش الإسرائيلي - خاص بآفاق البيئة والتنمية |
تعاني قرية إماتين مشكلات تعصف بوجودها وتهدد مستقبل أجيالها، على رأسها:
** نقص شديد في مياه الري، يوازيه ارتفاع كبير في أسعار المياه ما دفع أهل القرية إلى صرف النظر عن زراعة الخضراوات والزراعة المروية عمومًا والاقتصار على زراعة أشجار الزيتون فقط.
** تزايد البؤر الاستيطانية التي باتت تحاصر الأراضي الزراعية وتلتهمها، ويعتدي مستوطنوها على القرية وأهلها (كما ذكرنا أعلاه).
** مصادرة أراضي القرية بأوامر عسكرية تحت بند" لأغراض أمنية" دون أن توضح هذه الأغراض، فتتآكل الأرض يوماً بعد يوم وتضيق الحياة في وجه الفلسطيني.
** إطلاق الخنازير البرية والكلاب الضالة في أراضي القرية، الأمر الذي يخلّ بالتوازن البيئي ويؤثر على الزراعة فيها.
** تركيب بوابة معدنية على مدخل القرية الوحيد، يغلقها جيش الاحتلال معظم الوقت، ويفرض الحصار على القرية بموجب ذلك.
وحال قرية إماتين يشبه حال كثير من قرى محافظة قلقيلية ومحافظات نابلس وسلفيت والأغوار وأي مكان آخر في الضفة الغربية تحاصره مستوطنات المحتلين، وتكثر فيه الآثار التاريخية القديمة ويعتمد في حياته على الإنتاج الزراعي، دون أي انفراجة قريبة تلوح في الأفق.
No comments:
Post a Comment