نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Tuesday, July 15, 2025

"جعيتا فلسطين".. عندما تلتقي الجيولوجيا مع البيئة

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands


خاص لدى مجلة آفاق البيئة و التنمية 

في قلب الضفة الغربية، وعلى مرتفعات تتناثر فيها أشجار الزيتون المعمّرة، تقف البلدة القديمة في بلدة بيت ليد في محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، باعتبارها أحد الشواهد الحيّة على تلاقي التاريخ الإنساني بالبيئة الطبيعية.

 فالهندسة المعمارية التقليدية للبيوت الحجرية ذات القباب المنخفضة والنوافذ المقوّسة ليست مجرّد طراز عمراني، وإنما تمثل استجابة ذكية للظروف المناخية، حيث يساهم استخدام الحجارة الكلسية في حفظ التوازن الحراري داخل المباني، ما يقلّل الحاجة لاستخدام وسائل تبريد أو تدفئة اصطناعية.

فريق (الى القمر) خلال سيره في جبال بيت ليد نحو المغارة فريق (الى القمر) عند وصوله الى مدخل مغارة هربة باطن الحمام

ذاكرة الجماعة في الأزقة القديمة

لا تقتصر القيمة البيئية للبلدة القديمة في بيت ليد على تنوعها الحيوي أو خصائصها المعمارية، بل تمتد لتشمل أبعادًا اجتماعية وثقافية عميقة.

 فقد شكّلت الأزقة الضيقة والساحات الحجرية سجلاً غير مكتوب لذاكرة جماعية عميقة وفضاءً اجتماعيًا مفتوحًا، استخدمته العائلات لعقد لقاءاتها اليومية والموسمية، من مناسبات الفرح إلى مجالس التشاور، بما في ذلك جلسات اتخاذ القرار الجماعي في شؤون الأرض والحياة العامة، حيث كانت توفر الظل والخصوصية والدفء المجتمعي. وتؤكد هذه التجربة أن البيوت القديمة ليست مجرد هياكل، بل أنسجة حية تنبض بحكايات مجتمع اختار أن يعيش في انسجام مع بيئته، محافظًا على تراثه، ومُعيدًا تعريف مفهوم "الفضاء العام" ليكون امتدادًا طبيعيًا للبيت والأسرة والوطن.

خلال بدء اعضاء الفريق النزول للمغارة عبر فتحة ضيقة
الباحث خالد أبو علي والمستغور محمد ابو نوح قبل بدء عملية الإستغوار

موقع جيولوجي استثنائي

وسط تلالٍ مزروعة بأشجار الزيتون والخروب المعروفة بتضاريسها الكارستية الوعرة، وعلى بُعد قرابة خمسة كيلومترات شرق بلدة بيت ليد، تقودنا إحداثيات بسيطة إلى فتحة ضيقة في الأرض لا تكشف عما ينتظرنا تحتها.

 هنا، تبدأ الرحلة إلى أندر التكوينات الكارستية وأكثر الظواهر الجيولوجية ندرةً وجمالًا، وعند دخولنا المغارة استرعى انتباهنا لوحة فنية مجسدة على الأرض وهديل الحَمــامْ، الذي وجد في المغارة ملاذًا لبناء أعشاشه، ومن هنا استمدت المغارة اسمها الشعبي "هْرِّبِــة" ْ باطــنْ الحَمــامْ، أو كما يسميها أهالي المنطقة بحنان "جعيتا فلسطين".

قوس حجري جميل لأحد بيوت البلدة القديمة في بيت ليدأحد ازقة البلدة القديمة في بيت ليد - محافظة طولكرم 

من الحَمــامْ إلى السياحة البيئية

سُمّيت المغارة بـ" هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ" نسبة إلى طيور الحَمــامْ التي كانت تتخذ منها مأوى طبيعيًا، تبني أعشاشها في تجاويف الصخور وتملأ جنباتها بالهديل.

وعلى الرغم من تقلص أعداد هذه الطيور بسبب التغيرات المناخية وتراجع الغطاء النباتي، لا يزال صداها حاضرًا في صمت المغارة.

يقول عماد حميد رائد السياحة الصحراوية والبيئية لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "نحن لا نتعامل مع الكهوف كونها مغامرات فقط، بل هي مختبرات طبيعية وثقافية، ومغارة هْرِّبِـــةْ باطـــن ْ الحَمــامْ يمكن أن تتحول إلى أنموذج فريد للسياحة البيئية في فلسطين، إذا توفرت الحماية والبنية التحتية المناسبة".

شجرة تين برية نمت على مدخل مغارة هربة باطن الحمامخلال نزول الباحث خالد ابو علي عبر فتحة ضيقة الى المغارة 

المعنى اللغوي لهْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ

هْرِّبِةْ في اللغة العربية تعني مكان الهروب أو المفرّ، وأحيانًا تُستخدم للدلالة على ممر أو فتحة صغيرة يهرب منها الإنسان أو الحيوان، وتأتي من الفعل "هرب"، وتعني مجازًا المفرّ أو الملجأ.

أما باطــنْ وتعني الداخل، الخفي، غير الظاهر، وتأتي من جذر "ب-ط-ن"، وتشير إلى ما هو داخلي أو مستتر.

أما الحَمــامْ وتعني الطيور التي تعرف بالحَمــامْ، وهي طيور معروفة بحبها للسكن في الأماكن المرتفعة أو المظلمة أحيانًا.

المستغور عماد حميد خلال عملية الإنزال الى جوف المغارة
فرحة أعضاء الفريق عندما وصلوا  الى جوف المغارة بسلام

استكشاف علمي وشهادة حضارية

في رحلة علمية بيئية استكشافية نفذها فريق "إلى القمر"  "To the Moon"بقيادة الكابتن بلال حمامرة، وهو فريق استكشافي متخصص في رياضة الاستغوار والإنزال والتسلق، رافقه فيها المهندس معن راشد والمزارع وائل عطاالله من أبناء بلدة بيت ليد.

ويمكن وصف النزول إلى المغارة، بالمغامرة؛ لكنها مغامرة تستحق التجربة لما يمكن مشاهدته في الداخل من أعمدة وشموع صخرية، شكّلتها قطرات ماء تتدفق عليها بألوان متعددة، فيما تنعكس خيوط الشمس المتسللة داخلها من فوهتها الرئيسة الكبيرة.

المستكشف البيئي محمد ابو نوح وسط التشكيلات الكلسية الجميلة
مشهد عام لبلدة بيت ليد في محافظة طولكرم 

وللوصول إلى الداخل، عبرَ الفريق من فتحة ضيقة باستخدام سلّمٍ من الحبال يرتفع عدة أمتار، ثم زحف قليلًا حتى وصل إلى عمق المغارة لرؤية مناظر خلابة شكلّتها مياه الأمطار، التي تتدفق إلى داخلها مُشكلّةً عدة أشكال فنية.

وقد وُثقّت الخصائص الجيولوجية والبيئية للمغارة، لإبراز قيمة هذا الأرشيف الطبيعي غير المكتشف تماماً، وتبيّن أن عدداً من ممراتها الجانبية مغلقة بالردم أو الطمي.

الباحث خالد أبو علي يشير الى الصخور الكلسيةكابتن الفريق بلال حمامرة بعد عملية الإنزال عبر الحبال 

السمات البنيوية للمغارة

تقبع المغارة على عمق يُقدّر بنحو 20 مترًا تحت سطح الأرض، ويمكن الوصول إليها عبر فتحة رأسية ضيقة تتطلب النزول بواسطة سلم من الحبال ثم الزحف لعدة أمتار.

وتمتد المغارة أفقيًا ضمن الطبقات الكلسية، ويُقدَّر طول الممرات المكتشفة حتى الآن بأكثر من 50 مترًا، مع وجود غرف داخلية تختلف في حجمها وتشكيلها الهندسي، إضافة إلى ممرّات ضيّقة تؤدّي إلى زوايا معتمة، ولا ينتقص من جمال المكان سوى بعض الردم الذي ربما يكشف إزالته عن أسرار أخرى داخل المغارة، ما يشير إلى احتمالية وجود غرف داخلية أخرى لم تُكتشف بعد، وهو ما يفتح المجال في المستقبل أمام دراسات جيولوجية أكثر عمقًا.

ومن أبرز ما يميز المغارة وجود صواعد

تتدّلى من سقفها ببطء شديد لا يتجاوز 0.13 (Stalagmites) ترتفع من أرضيتها، وهوابط (Stalactites)

ملم سنويًا، ما يدل على قِدم التكوين وهدوء العمليات الترسيبية في الداخل، وفي بعض الأماكن، التقت الصواعد بالهوابط لتُشكّل أعمدة كلسية كاملة وصلت إلى ما يقارب ثلاثة أمتار، وتُعدّ علامات جيولوجية على الاستقرار الزمني للمغارة.

الباحث البيئي الأستاذ نعمان الأشقر خلال توثيقه الأعمدة الكلسية الباحث خالد أبو علي يشير النوازل الجميلة في مغارة هربة باطن الحمام

سجل زمني من الصخر

هذه المغارة الكارستية تشكّلت قبل ملايين السنين، نتيجة لتآكل الصخور الكلسية جراء الأمطار الحمضية على مرّ العصور.

تمتد على عمق يُقارب خمسين مترًا تحت سطح الأرض، وتحتضن تكوينات جيولوجية نادرة من صواعد وهوابط وأعمدة كلسية تروي حكاية الزمن بهدوء الحجر ونبض الماء.

الصواعد والنوازل ليست مجرد مشاهد خلابة، بل هي سجلات بيئية طبيعية تحفظ في طبقاتها معلومات دقيقة عن مناخات العصور السابقة، كتركيز الأملاح والمعادن ودرجات الحرارة وهطول الأمطار، هي بمثابة "أرشيف من الحجر" يساعد العلماء على إعادة بناء التاريخ المناخي لفلسطين والمنطقة.

يقول كابتن الاستغوار بلال حمامرة: "المغارة تُعد أنموذجًا مثاليًا للكهوف الكارستية، حيث أن كل تكوين هنا هو سجل زمني دقيق، وهذه الهوابط تحتاج آلاف لا بل ملايين السنين لتتشكل، ومجرد لمسها قد يوقف نموها للأبد".

ويضيف حمامرة لـ "آفاق البيئة والتنمية": "في الغرف العميقة، تصادفنا صواعد وهوابط التقَت لتشكّل أعمدة كلسية شاهقة، تُشبه أعمدة معبد فرعوني، كل خط وكل طبقة على هذه الأعمدة تمثل قرونًا من التكوين البطيء، فهذه الأعمدة الكلسية بمثابة شيفرات زمنية، نحن نقرأ فيها تاريخ الأمطار، والكثافة البيئية، وحتى التغيرات المناخية عبر العصور".

عمود من النوازل الكلسية  سقط على ارض المغارة بفعل العوامل الطبيعية معدات السلامة لدى فريق (الى القمر) قبل بدء عملية الإستغوار

مغامرة محسوبة

نظرًا لطبيعة المغارة الوعرة وظروفها البيئية الخاصة، التزم الفريق بمعايير صارمة للسلامة، وقد اُستخدمت سلالم حبال قوية مثبتة بعناية على أطراف الفتحة الرئيسة، إضافة إلى أحذية استكشاف مانعة للانزلاق وخوذات مجهّزة بإضاءة أمامية لضمان الرؤية داخل الغرف المظلمة، كما استعان الفريق بـأحزمة تسلّق ومثبتات خاصة لتفادي أي خطر في أثناء التنقل بين المنحدرات الضيقة.

يواصل الكابتن حمامرة حديثه: "كل خطوة تحت الأرض تتطلب يقظة كاملة، المعدات المناسبة لم تكن خيارًا، بل ضرورة، وهدفنا أن نستكشف بأمان، وأن نثبت أن البيئة الجبلية الفلسطينية يمكن خوضها بمهنية ومسؤولية عالية".

اعضاء فريق (الى القمر) خلال تجوالهم وتوثيقهم للمغارة الكابتن بلال حمامرة خلال تجواله بين الهوابط والصواعد الكلسية

دور بيئي وتنوع بيولوجي خفي

رغم قلة الضوء، فإن مغارة هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ تُعد موطنًا لعدد من الكائنات الدقيقة التي تتكيف مع الظلام والرطوبة العالية، مثل الخفافيش الكهفية التي تستخدم المغارة مأوى موسميًا، واللافقاريات الصغيرة، فضلاً عن الطحالب الجيرية الدقيقة على الأسطح الرطبة، ما يجعلها نظامًا بيئيًا هشًا يحتاج إلى حماية دقيقة من التلوث أو العبث، كما كانت المغارة مأوى تاريخيًا لطيور الحَمــامْ البري، التي ألهمت تسميتها الشعبية، وقد وجدت الطيور في تجاويف المغارة بيئةً آمنة لبناء أعشاشها، مستفيدة من الدفء النسبي والثبات المناخي الداخلي.

يخبرنا المستغور فراس خوري بقوله: "كانت لحظة لا تُنسى، نزولنا كان عبر فتحة ضيقة بالكاد يتسع لها الجسد، لم نشعر أننا في مغارة فحسب، بل في متحف جيولوجي حيّ، كل عمود كلسي وكل قطرة ماء رسمَ مشهدًا لا يُنسى. انعكست من الضوء الخافت ألواناً عسليّة ووردية، وبدت الجدران تنبض بالحياة، ومع كل خطوة، كنا نشعر أن الزمن يعود بنا ملايين السنين إلى الوراء، حيث لا صوت إلا قطرات الماء وهي تنحت الجمال بهدوء مدهش".

اعضاء الفريق يتوسطون التكوينات الجيولوجية التي تشكلت عبر ملايين السنينالأعاجيب الصخرية والتكوينات الجيولوجية التي تشكلت من الأمطار الحمضية

علاج من باطن الأرض

تمثل مغارة هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ نظامًا بيئيًا مغلقًا، يتميز بثبات حراري نسبي ورطوبة عالية، ما يوفّر بيئة فريدة وشروطًا مثالية لتكوّن الأعمدة الكلسية.

تُفرز جدران المغارة قطرات من المياه المعدنية إفرازاً مستمرًا، وما لفت نظر المستكشفين أيضًا، هو البيئة الرطبة الفريدة للمغارة، حيث تتجمع مياه في تجاويف صخرية ويُعتقد شعبيًا أنها تحمل خصائص علاجية، خصوصًا لأمراض الكلى والجلد، وهي معتقدات ترتبط بالثقافة المحلية حول الطب الشعبي المرتبط بالأرض.

يقول المهندس معن راشد ابن بلدة بيت ليد "في هذه المغارة تلتقي الجغرافيا بالإيمان الشعبي، كان الناس في بيت ليد يأتون للماء طلبًا للشفاء، وللهواء طلبًا للنقاء، هي أكثر من مغارة، إنها طقس بيئي وإنساني".

ومن جهته يحدّثنا المستغور قتيبة عياش قائلاً: "شعرنا أن الصخور هنا ليست صمّاء، كانت تبكي بندى مستمر، كم كان المكان هادئًا، سرنا بهدوء داخل المغارة وسمعنا صدى الحَمــامْ الذي اختار هذه المغارة ملاذًا له، وكأن الطبيعة تتنفس في هذا الصمت العميق".

الباحث خالد أبو علي خلال تجواله وتوثيقه جوف مغارة هربة باطن الحمامالمستغور قتيبة عياش في عمق مغارة هربة باطن الحمام 

 الكنز الطبيعي في خطر

مع ثرائها البيئي والجيولوجي، لا تحظى مغارة هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ بأي حماية رسمية من الجهات البيئية أو التراثية، ما يجعلها عرضة لخطر التدهور أو التخريب.

 وتُعد المغارة مثالاً حيًا على الأنظمة البيئية المغلقة التي تحتاج إلى إدارة دقيقة للحفاظ على توازنها الهش، كما تمثّل شاهدًا بيئيًا وجيولوجيًا يمكن إدراجه ضمن قائمة المحميات الطبيعية أو مواقع التراث الجيولوجي.

عن تجربته، يحكي لنا المستكشف البيئي محمد أبو نوح: "دخلنا مستكشفين، وخرجنا حماةً لذاكرة الأرض، خرجت وأنا أحمل صورة مختلفة عن فلسطين، ليست فقط الجبال والوديان، بل ما تخبئه الأرض في باطنها، شعرت أننا مطالبون بحماية هذا الكنز الطبيعي، والتعريف به، "جعيتا فلسطين" ليست فقط مغارة، بل مرآة لهويتنا، هذه المغارة ليست مكانًا عاديًا، بل شهادة على صبر الطبيعة، وعلى صبر شعب يحب أن يعيش رغم كل شيء".

الباحث خالد أبو علي يتفقد الإعمدة الكلسية من هوابط المغارةفرحة المستغور علي عصفور خلال وصوله الى جوف الغرف الكلسية 

موقع بيئي بحاجة للحماية

الغريب؛ أنه رغم تفرد "هرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ من الناحية البيئية والجيولوجية، علاوة على جمالها الأخاذ، تفتقر المغارة لأي نوع من الحماية الرسمية، لا لافتات إرشادية، ولا مسارات منظمة، ولا توثيق علمي متكامل، ما يجعلها عرضة للعبث أو التدمير غير المقصود.

يعبر المستغور علي عصفور الذي انضمّ إلى هذه المغامرة عن قلقه، موضحاً: "هذا الإرث الطبيعي مهدد بالإهمال، وربما التخريب، إذا لم نتحرك لتسجيله موقعًا محميًا، نحتاج إلى وعي مجتمعي، وإلى دعم الجهات البيئية الرسمية والمؤسسات الأكاديمية لحمايته".

مدخل مغارة هربة باطن الحمام كما يظهر من اسفل من المغارة الباحث البيئي الأستاذ نعمان الأشقر خلال زحفه الى الغرف الكلسية 

استعادة الذاكرة الجيولوجية للوطن

تُظهر مغارة هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ العلاقة العميقة بين الأرض والتاريخ، بين علم الجيولوجيا والذاكرة الثقافية.

إنها ليست مجرد فراغ كارستي في قلب جبل، بل خزان للزمن الفلسطيني القديم، تتشابك فيه طبقات الصخر مع حكايات الناس والمطر والطيور.

إن دراستها، وتوثيقها، وتأهيلها لا يمثل فقط واجبًا علميًا، بل مسؤولية وطنية وبيئية لحماية ما تبقى من الشواهد الصامتة لهذا الوطن الحي.

وعند سؤالنا نعمان الأشقر أستاذ التاريخ والباحث البيئي الذي شارك في هذه المغامرة، عن التوصيات العلمية التي يود توجيهها لحماية المغارة، أكد في حديثه لمراسل آفاق البيئة والتنمية أنه لا بد من تصنيف المغارة موقعَ تراث طبيعي جيولوجي ضمن المحميات الوطنية، مشدداً على أهمية إغلاق الفتحة مؤقتًا لمنع الدخول العشوائي الذي قد يُفسد التكوينات الكلسية الهشة، إضافة إلى تشكيل فريق من الجيولوجيين، وعلماء البيئة، وخبراء الاستغوار، لإجراء مسح شامل للمغارة.

وأردف قائلاً: "هذه الكنوز يجب ألا تظل مجهولة (...) كل يوم تبقى فيه هذه المغارة دون حماية رسمية، هو خسارة لجزء من تراث فلسطين الطبيعي، هذه ليست مجرد مغارة، إنها وثيقة علمية حية، ومَخبأ للذاكرة البيئية الفلسطينية".

حجارة الردم التي سقطت بفعل العوامل الطبيعية والتي قد تكشف عن أسرار المغارةفرحة أعضاء فريق (الى القمر) بعد اتمام عملية استكشاف المغارة بنجاح 

هوية في جوف الأرض

مغارة هْرِّبِــةْ باطــنْ الحَمــامْ ليست مجرد كهف، بل وثيقة جيولوجية حية، تحكي قصة الأرض التي لم تهزمها التحولات، وتمنح الزائر إحساسًا فريدًا بأن باطن هذا الوطن يحتفظ بأسرار لم تُكتب بعد؛ المغارة مرآة لهوية المكان الفلسطيني، تختزن ذاكرة الأرض وملامحها وتفاصيلها، وتقدّم للعالم شهادة حية على عمق التاريخ الفلسطيني وجذوره الراسخة في تربة هذا الوطن.

 هذه الصواعد والهوابط تنمو في صمت، ولكنها تنطق بانتمائنا الأبدي للأرض، وبأن تحت كل شبر من فلسطين، هناك شهادة على الجمال والحق والصمود.

 

خرج فريق "إلى القمــر" من المغارة، كأنه عاد من سفرٍ عبر الزمن، يتسلّل الضوء من فتحة الجبل، ويمتزج صداه بهديل الحَمــامْ الهارب من أزمات المدن، هذه المغارة ليست فقط قصة جيولوجية، بل وصية من باطن الأرض أن "نحفظ ما تبّقى، ونروي ما لم يُكتب بعد".

إن صون هذه الأعاجيب الصخرية هو صون لروايتنا الطبيعية والتاريخية، ولذا وجب علينا، نحن الفلسطينيين، والمؤسسات، والزائرين، أن نكون حراسًا لهذا الجمال الصامت، إنها دعوة للاستماع إلى صمت الصخور، ومناشدة لحمايتها، كما تُحمى الكرامة في صدور الأحرار.


سلم الحبال الذي استخدمه الفريق للنزول الى جوف المغارة 

No comments:

Post a Comment

جودة البيئة: اعتداءات إسرائيلية خطيرة في وادي المطوي تهدد مكونات التنوع الحيوي وتعمّق الاستيطان الاستعماري

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands حذرت سلطة جودة البيئة من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على وادي المطوي والمناطق المحيطة به غرب مدينة   سلف...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????