الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
تمكنت أنظمة الذكاء الاصطناعي التي طورها الباحثون من رصد أكثر من 7 آلاف انهيار أرضي خلال ثلاث ساعات فقط بعد وقوع زلزال العام الماضي. ومع تزايد وتيرة الطقس المتطرف، يتجه العلماء إلى الذكاء الاصطناعي لمحاولة فهم الكوارث الناجمة عن تغير المناخ والاستجابة لها بشكل أكثر فاعلية.
فبعد زلزال بلغت قوته 7.4 درجة، ضرب ضواحي هوالين في تايوان في أبريل 2024، وهو الأقوى الذي تشهده البلاد منذ 25 عامًا، تسببت آلاف الانهيارات الأرضية في تدمير مجتمعات جبلية نائية.
وفي مثل هذه الحالات، تعتمد فرق الطوارئ غالبًا على صور الأقمار الصناعية لتحديد المناطق المتضررة، غير أن المسح اليدوي لهذه الصور قد يستغرق ساعات أو حتى أيام.
لكن علماء الجيولوجيا في جامعة كامبريدج يعتقدون أن لديهم أداة قد تُحدث تغييرًا جوهريًا، فهم يعملون على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي لرصد الانهيارات الأرضية، بهدف مساعدة فرق الإنقاذ على التحرك بسرعة أكبر.
وقال لورينزو نافا، الباحث المشارك في قسمي علوم الأرض والجغرافيا بالجامعة، في بيان صحفي: “في أعقاب الكارثة، فإن الوقت أمر بالغ الأهمية”.

طريقة أسرع لرؤية ما يحدث على الأرض
يعمل فريق كامبريدج على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على التعرف تلقائيًا على الانهيارات الأرضية في صور الأقمار الصناعية، حتى في ظل ظروف تجعل الرؤية صعبة مثل الغطاء السحابي أو الظلام.
وتُعد هذه الجهود جزءًا من مجموعة CoMHaz، وهي وحدة بحثية تابعة للجامعة تركز على دراسة الكوارث المتتالية ومتعددة المخاطر، حيث يمكن أن يتسبب حدث واحد في سلسلة من الأحداث الأخرى أو تحدث عدة كوارث في آن واحد.
ومن خلال دمج الصور البصرية القياسية مع بيانات الرادار القادرة على اختراق الغيوم والعمل ليلًا، يأمل الباحثون في جعل نماذج الكشف أكثر سرعة ودقة وموثوقية أثناء الأزمات.
وفي أعقاب زلزال هوالين، تمكن النظام الذي طوره الفريق من رصد أكثر من 7000 انهيار أرضي خلال ثلاث ساعات فقط من تلقي صور الأقمار الصناعية، بحسب دراسة حديثة نُشرت في دورية المخاطر الطبيعية وعلوم نظام الأرض. ويُذكر أن العملية ذاتها كانت ستستغرق وقتًا أطول بكثير لو أُجريت يدويًا.
ويأمل الفريق في أن تُساعد هذه التقنية فرق الاستجابة الأولية في تحديد أولويات التدخل، وخاصة في المناطق النائية أو الجبلية حيث يُعد عامل الزمن بالغ الأهمية. كما يعتقد الباحثون أن هذه التقنيات قد تُمكّن مستقبلًا من التنبؤ بالانهيارات الأرضية قبل وقوعها.

لماذا يُعد الذكاء الاصطناعي ضروريًا في ظل تفاقم الكوارث المناخية؟
واجهت أوروبا في العام الماضي موجات متكررة من الكوارث المرتبطة بتغير المناخ. ففي سويسرا، تسبب انهيار نهر جليدي في مايو بانهيار أرضي مميت اجتاح قرية صغيرة في جبال الألب. وفي فالنسيا الإسبانية، أودت الفيضانات المفاجئة بحياة عدة أشخاص بعد أن أغرقت الأمطار الغزيرة البنية التحتية للمدينة. وفي أنحاء جنوب أوروبا، تواصل موجات الحر والحرائق والفيضانات ضرب المجتمعات بوتيرة متزايدة.
ويقول العلماء إن تغير المناخ لا يُضاعف حدة هذه الأحداث فقط، بل يكشف أيضًا عن نقاط ضعف في أنظمة الاستجابة للطوارئ. فالانهيارات الأرضية، مثلًا، تتفاقم بسبب هطول الأمطار الغزيرة، وإزالة الغابات، وارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل المنحدرات أكثر هشاشة.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي ليس حلًا سحريًا، إلا أنه قد يقدم دعمًا بالغ الأهمية. فالأدوات التي طورها فريق كامبريدج مصممة للمساعدة في تحديد أولويات توزيع الموارد، والتعرف بسرعة على المناطق الأشد تضررًا، بل ودعم أنظمة الإنذار المبكر في بعض الحالات.

مشروع رائد في نيبال
يعمل كل من نافا وماكسيميليان فان ويك دي فريس، أستاذ المخاطر الطبيعية في كامبريدج ورئيس مجموعة CoMHaz، بالتعاون مع علماء محليين في نيبال لتجربة نظام إنذار مبكر مدعوم بالذكاء الاصطناعي في بلدة بوتوال، وهي منطقة معرضة للانهيارات الأرضية.

الشفافية لبناء الثقة
لا تقتصر أهداف الفريق على السرعة فحسب، بل يسعى الباحثون إلى تصميم نماذج تُظهر سبب التوصل إلى استنتاجاتها، ما يُمكّن فرق الاستجابة وصنّاع القرار المحليين من فهم آليات اتخاذ القرار، وبالتالي تعزيز ثقتهم في التوصيات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي. كما قد يُسهم ذلك في مساعدة المجتمعات المحلية على وضع خطط استجابة أكثر فاعلية في مواجهة أسوأ السيناريوهات.
ولتطوير هذا النظام، تعاون فريق كامبريدج مع وكالة الفضاء الأوروبية، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ومجموعة من الشركاء الآخرين. كما أطلقوا تحديًا عالميًا في مجال علوم البيانات بهدف تحسين النموذج وجعل نتائجه أكثر شفافية.
وقال نافا: “من المهم تسهيل تقييم المستخدمين النهائيين لجودة المعلومات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل دمجها في قرارات حاسمة”. وأضاف: “في سيناريوهات عالية المخاطر مثل الاستجابة للكوارث، تُعد الثقة في نتائج الذكاء الاصطناعي أمرًا لا غنى عنه”.
نقلا عن المستقبل الأخضر
No comments:
Post a Comment