???????

Monday, July 21, 2025

علماء يفكّكون لغز تكوّن رواسب الملح العملاقة في قاع البحر الميت

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



يُعدّ البحر الميت ملتقى لظروف طبيعية فريدة: فهو النقطة الأكثر انخفاضًا على سطح الأرض، ويتميّز بواحدة من أعلى نسب الملوحة في العالم.

تؤدي هذه الكثافة الملحية العالية إلى كثافة نوعية مرتفعة، كما أن كونه أعمق بحيرة مفرطة الملوحة يمنح العلماء فرصة فريدة لدراسة ظواهر فيزيائية وحرارية لا تزال قيد الاكتشاف تحت سطح المياه.

ومن أبرز هذه الظواهر ما يُعرف بـ”عمالقة الملح”، وهي رواسب ملحية ضخمة تُعدّ من أبرز تكوينات قشرة الأرض.

يقول البروفيسور إيكارت مايبرج، أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا والمؤلف الرئيس لدراسة منشورة في “المراجعة السنوية لميكانيكا الموائع“: “يمكن أن تمتد هذه الرواسب أفقيًا لعدة كيلومترات، ويصل سمكها الرأسي لأكثر من كيلومتر. البحر الميت هو المكان الوحيد على الأرض حاليًا الذي يمكننا فيه دراسة كيفية تشكّل هذه التكوينات”.

وبينما توجد تشكيلات ملحية ضخمة في بحار أخرى مثل البحر الأحمر والمتوسط، فإن البحر الميت يتيح للعلماء متابعة العملية أثناء حدوثها، مما يوفّر فرصة لفهم ديناميات تطورها الزمني والمكاني.

تستعرض الورقة العلمية، التي أعدّها مايبرج وزميله نداف لينسكي من هيئة المسح الجيولوجي الإسرائيلية، العمليات الديناميكية للسوائل وحركة الرواسب في البحر الميت.

يُعزى معظم هذه الظواهر إلى طبيعة البحر كبحيرة مغلقة لا تصب في أي نهر، ما يجعل التبخر الوسيلة الأساسية لفقدان الماء، ويؤدي إلى تراكم الأملاح مع انحسار مستوى المياه بمعدل متر تقريبًا في السنة، لا سيما بعد تحويل مجرى نهر الأردن الذي يغذي البحر.

كما أن التوزيع الحراري العمودي يلعب دورًا محوريًا في تشكّل التكوينات الملحية، مثل القباب والأعمدة.

فالبحر الميت كان سابقًا “بحيرة ميرو ميكتيك”؛ أي أن طبقاته كانت مستقرة حراريًا طوال العام، حيث تطفو المياه الدافئة والأقل ملوحة على المياه الباردة والأكثر كثافة.

لكن هذا التوازن تغير في الثمانينيات نتيجة انخفاض تدفق المياه العذبة، ما أدى إلى تساوي الملوحة بين الطبقتين، وأتاح اختلاطهما وتحوُّل البحيرة إلى “هولوميكتية”، أي أن طبقاتها تختلط سنويًا. ومع ذلك، تستمر الطبقات في التكوّن خلال الأشهر الدافئة فقط.

باحثون يسيرون على ضفاف البحر الميت أحد أكثر المسطحات المائية ملوحةً على وجه الأرض

“الثلج الملحي”

في صيف عام 2019، رصد مايبرج وفريقه ظاهرة غير اعتيادية: تساقط بلورات الهاليت (ملح الصخور) أو ما يشبه “الثلج الملحي”، وهي ظاهرة عادةً ما ترتبط بالفصول الباردة. ويحدث هذا عندما يتجاوز تركيز الملح الحد الذي تستطيع المياه إذابته.

ومع ارتفاع حرارة الطبقة العليا واستمرار التبخر، يذوب الملح في الأعلى، بينما يبرد جزء من هذه الطبقة ويغوص، في حين ترتفع بعض أجزاء الطبقة السفلى، فيما يعرف بـ”الانتشار المزدوج”. حين تبرد الطبقة العليا كثيفة الملح، يترسب الملح منها على شكل بلورات، ما ينتج “الثلج الملحي”.

تتضافر عدة عوامل مثل التبخر، وتقلبات الحرارة، وتغيّر الكثافة، بالإضافة إلى التيارات الداخلية والأمواج السطحية، لتشكّل ترسيبات ملحية بأشكال وأحجام مختلفة. وعلى عكس البحيرات الضحلة، تتكثف هذه العمليات في البحر الميت خلال فصل الشتاء، مما يؤدي إلى تراكم مستمر لـ”الثلج الملحي” في الأعماق على مدار العام، ما يفسّر تكوّن “عمالقة الملح”.

ويُقارن هذا بما حدث في البحر الأبيض المتوسط خلال “أزمة ملوحة الميسيني”، بين 5.96 و5.33 مليون سنة، عندما أغلقت حركة الصفائح التكتونية مضيق جبل طارق، مما أدى إلى جفاف البحر وتراكم رواسب ملحية ضخمة. لاحقًا، أعاد فتح المضيق تدفق مياه المحيط الأطلسي، فغمرت البحر من جديد.

صور أقمار صناعية للبحر الميت التُقطت عامي ١٩٧٢ و٢٠١١، تُظهر مدى انخفاض منسوب المياه

كما تساهم تدفقات الملوحة والينابيع الموجودة في قاع البحر في تشكيل هياكل ملحية أخرى مثل القباب والأعمدة.

وبالإضافة إلى الفهم الأساسي للعمليات الفريدة في البحيرات المغلقة المفرطة الملوحة، قد تساهم هذه الأبحاث في توضيح آليات استقرار وتآكل السواحل الجافة في ظل تغيّر مستوى سطح البحر، فضلًا عن إمكانيات استغلال هذه الرواسب كمورد طبيعي.

No comments:

Post a Comment