الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
في عالم يواجه أزمتين بيئيتين متفاقمتين — هدر الطعام وتلوث البلاستيك — يبرز أمل جديد من قلب المختبرات الأمريكية.
نحو ثلث الطعام العالمي يُهدر، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، في حين يُنتج العالم أكثر من 400 مليون طن من البلاستيك سنويًا، لا يُعاد تدوير سوى نسبة ضئيلة منها. تُغرق هذه النفايات كوكب الأرض، فتسد مكبات النفايات، وتلوّث المحيطات، وتُطلق الغازات الدفيئة، وتُسهم في أزمة المناخ.
لكن ماذا لو أمكننا الجمع بين المشكلتين لصناعة حل مشترك؟
هذا ما فعله فريق بحثي من جامعة بينغهامتون (SUNY) الأمريكية، عندما طور طريقة مبتكرة لتحويل نفايات الطعام إلى بلاستيك قابل للتحلل الحيوي باستخدام البكتيريا.
من الفضلات إلى المستقبل
نُشرت الدراسة مؤخرًا في مجلة Bioresource Technology، وقادها الباحث تيان تشنج ليو، تحت إشراف البروفيسورة شا جين، من كلية توماس جيه واتسون للهندسة والعلوم التطبيقية.
بدأ الاهتمام بالمشروع بعد حصول البروفيسورة جين على منحة من ولاية نيويورك عام 2022 لاستكشاف سُبل جديدة للاستفادة من الطعام المهدر، وهو ما دفعها للتفكير في “التحويل الصناعي الذكي للنفايات” — ليس فقط لخفض الأثر البيئي، بل أيضًا لتقليل تكلفة تصنيع البوليمرات القابلة للتحلل مقارنة ببدائلها الصناعية الباهظة.

البلاستيك من المايكروبات لا من النفط
بعكس الطرق التقليدية التي تعتمد على مواد خام نقية مثل السكر المكرر، استخدم الباحثون نفايات طعام حقيقية جُمعت من قاعات الطعام الجامعية، وتم تخميرها لإنتاج حمض اللاكتيك، ثم خُلطت مع مصدر نيتروجيني هو كبريتات الأمونيوم.
التحدي التالي كان بيولوجيًا: تغذية هذا “المرق” إلى بكتيريا تدعى Cupriavidus necator، معروفة بقدرتها على تخزين الكربون على شكل بوليمر حيوي يسمى PHA.
نجح الفريق في استعادة نحو 90% من هذا البوليمر، وتحويله إلى أغشية ومواد قابلة للتحلل الحيوي، تصلح للاستخدام في التغليف، ما يفتح المجال أمام إنتاج بلاستيك أخضر بأقل كلفة وأعلى فاعلية.

هدر اليوم.. عبوة الغد
المشروع لم يتوقف عند النجاح في المختبر. فقد تعاونت الجامعة مع شركة الخدمات الغذائية “سوديكسو” لجمع نفايات الطعام من الكافيتريات الجامعية، في إطار سياسة رسمية تمنع رمي المخلفات في المكبات.
أظهرت التجارب أن النفايات تحتفظ بفاعليتها في التحول الحيوي حتى بعد أسبوع من التخزين، وهو ما يُعد إنجازًا لوجستيًا مهمًا يُمكن أن يُسهم في تعميم النموذج صناعيًا دون تعقيدات التشغيل الفوري.
ومن المخلفات الصلبة الناتجة عن التخمير، يعمل الفريق حاليًا على تطوير سماد عضوي بديل للأسمدة الاصطناعية، ما يعني أن “لا شيء يُهدر” في هذه المنظومة المغلقة.

الخطوة التالية: التوسع والتحوّل الصناعي
رغم النجاح، تُدرك الباحثة شا جين أن التأثير الحقيقي للمشروع يكمن في التوسّع. تسعى حاليًا لتأمين تمويل إضافي أو شراكة صناعية لتحويل هذا الابتكار من نموذج جامعي إلى حل عملي على نطاق تجاري.
“بإمكان غداء الأمس أن يُصبح عبوة الغد” — بهذه العبارة لخصت جين رؤية فريقها: استخدام الميكروبات والهندسة الحيوية لتحويل نفايات العالم إلى أدوات مفيدة بدلًا من أن تكون عبئًا على الكوكب.
نقلا عن موقع المستقبل الأخضر
No comments:
Post a Comment