الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
مع اقتراب المفاوضات النهائية لمعاهدة الأمم المتحدة العالمية للبلاستيك في أغسطس/آب الجاري، ينتظر العالم توقيع اتفاق للتحرر من قيود البلاستيك التي نسجها البشر حول أعناقهم منذ 1907 باختراع المادة الذي أحدث ثورة في الصناعة اكتشفت مخاطرها لاحقا، أو مواصلة الغرق في طوفانها.
وتعقد جولة المفاوضات النهائية بشأن معاهدة البلاستيك في جنيف بسويسرا، خلال الفترة من 5 إلى 14 أغسطس/آب 2025 لوضع إطار قانوني ملزم للحد من التلوث البلاستيكي، مع التركيز على دورة حياة البلاستيك بأكملها، بدءا من التصميم والإنتاج وصولا إلى التخلص منه وإدارة النفايات.
في ديسمبر/كانون الأول 2024، كان من المنتظر أن تفرز المفاوضات النهائية توقيع المعاهدة في بوسان بكوريا الجنوبية، لكنّ ائتلافا من جماعات الضغط عارض فرض أيّ تسقيف للإنتاج، مما أدّى بالمفاوضات إلى الفشل الذريع. لتؤجل إلى جولة جنيف للتوصّل إلى اتفاق.
يُنتج العالم سنويا أكثر من 450 مليون طن من البلاستيك، يستخدم نصفها لمرة واحدة، ويتم إعادة تدوير أقل من 10% من هذه النفايات. وتتراكم الكميّة المتبقيّة في المكبّات العمومية وفي التربة والبحار والمحيطات، أو تتحللّ إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة ونانوية، تلوث النظم البيئية وتتسرب إلى دم الإنسان وجميع أعضائه الحيوية كما أثبتت الدراسات.
ولقد تضاعف الإنتاج العالمي من البلاستيك خلال 20 عاما، وينتظر يتضاعف 3 مرات بحلول عام 2060، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما سيؤدي إلى حدوث "تسونامي" من التلوّث، لم تُقدّر بعد كلّ عواقبه الصحية والبيئية، حسب المنظمة.
دوامة البلاستيك
تتلخّص فكرة معاهدة البلاستيك في وضع سقف عالمي لإنتاجه ثم خفضه تدريجيا، مع الحدّ من المواد السامة المستخدمة في تصنيعه، ويشير الخبراء إلى أنّ أكثر من 16 ألف مادة كيميائية تستخدم في منتجات البلاستيك، معظمها من الوقود الأحفوري، لكن العلماء لم يحددوا بعد مدى خطورة أكثر من 60% منها.
وتكشفت دراسة حديثة أجرتها كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك أن منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، تشهدان أكثر من 41% من إجمالي الوفيات المرتبطة بالمواد الكيميائية البلاستيكية السامة. تليها منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي بنسبة 31%. وتمثل هاتان المنطقتان معا ما يقرب من 3 أرباع الوفيات العالمية المرتبطة بالبلاستيك.
ويعد السبب الرئيسي للوفيات هو مادة "ثنائي إيثيل الهكسيل فثالات" (DEHP)، وهي مادة تُليّن البلاستيك وتُستخدم في كل شيء، من أغلفة المواد الغذائية إلى الأنابيب الطبية. وفي عام 2018 وحده، تسبب التعرض لهذه المادة في وفاة أكثر من 356 ألف شخص حول العالم، معظمهم بسبب استخدام البلاستيك.
وبين البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما، ترتبط 13.5% من وفيات القلب والأوعية الدموية منهم بالجسيمات الكيميائية البلاستيكية الدقيقة.
وتعد مركبات (PFA)، وهي نوع من البوليمرات الفلورية وفئة من "المواد الكيميائية الدائمة" تُستخدم لجعل المواد مقاومة للماء والشحوم والحرارة، موجودة في آلاف المنتجات البلاستيكية اليومية، بما في ذلك أواني الطهي غير اللاصقة ومستحضرات التجميل وأغلفة الأطعمة، وهي منتشرة على نطاق واسع وتحدث آثارا خطيرة.
ويمتص البلاستيك المُعاد تدويره الملوثات من مواد نفايات أخرى، وغالبا ما يحتوي البلاستيك الأسود المُعاد تدويره على مثبطات لهب من النفايات الإلكترونية التي تتجاوز معايير السلامة.
وعلى سبيل المثال وُجد أن جزيئات تآكل الإطارات تُشكّل نحو 45% من إجمالي المواد البلاستيكية الدقيقة في كل من الأنظمة الأرضية والمائية، حيث تحتوي على نحو 400 مركب كيميائي مختلف، وتتسرب إلى الهواء والجداول والبحيرات والأنهار والمحيطات.
يُضاف ما يقدر بنحو 8 ملايين طن متري من البلاستيك إلى البحار والمحيطات سنويًا، بما في ذلك 236 ألف طن من الجسيمات البلاستيكية، وهو ما يعادل أكثر من شاحنة قمامة واحدة من البلاستيك تُلقى في محيطاتنا كل دقيقة، مما يتسبب في زيادة حرارتها وتحمض مياهها. وتدمير التنوع البيولوجي البحري، ويضعف قدرتها على امتصاص الكربون.
كما يعتبر البلاستيك مسؤولا (في دورة حياته) عن توليد 1.8 مليار طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سنويا، أي أكثر من الانبعاثات السنوية من قطاعي الطيران والشحن مجتمعين.
فائض البلاستيك وفائض الأرباح
يكشف تقرير صادر عن شركة دالبيرغ أن التكلفة الإجمالية للبلاستيك المنتج في عام 2019 وحده على المجتمع والبيئة والاقتصاد بلغت 3.7 تريليونات دولار، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للهند، لكنها تمثل في الوقت نفسه شريانا اقتصاديا وتجاريا مهما لدول وشركات كبرى.
وقد قُدرت قيمة سوق البلاستيك العالمي بنحو 524 مليار دولار في عام 2024. وهي بالتالي تمثل سوقا كبرى للمصالح الاقتصادية، وتستورد الولايات المتحدة على سبيل المثال بلاستيكا بقيمة 14 مليار دولار سنويًا، معظمها من الصين والمكسيك وكندا وتايلند.
وسعى كبار منتجي البلاستيك في الولايات المتحدة ومجموعات صناعة البتروكيميائيات إلى تقويض جهود غالبية الدول، التي تدعم اتخاذ تدابير صارمة للحد من إنتاج البلاستيك أو ضمان سلامة الاختبارات الكيميائية، تماشيا مع تراجع إدارة الرئيس دونالد ترامب عن الكثير من التدابير والإجراءات البيئية والمناخية.
No comments:
Post a Comment