الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
“من السناكس إلى الوجبات السريعة: لماذا تشكل الأطعمة فائقة المعالجة خطرًا أكبر من مجرد السعرات؟”
خلال الخمسين عامًا الماضية، شهدت عاداتنا الغذائية تغيّرًا كبيرًا. ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ومرض السكري من النوع الثاني، وانخفضت جودة حيوانات المنوية لدى الرجال، بينما سيطرت الأطعمة فائقة المعالجة على رفوف المتاجر.
السؤال الأهم: هل الخطر يأتي من السعرات الحرارية، المكوّنات الصناعية الغريبة، أم من طريقة معالجة الطعام نفسها؟ دراسة جديدة تشير إلى أن المعالجة هي السبب الحقيقي.
نفس السعرات، نتائج أسوأ
أجرى الباحثون تجربة صارمة على 43 شابًا، حيث اتبع المشاركون نظامين غذائيين – أحدهما فائق المعالجة والآخر غير معالج – لمدة ثلاثة أسابيع لكل نظام مع فترة راحة بينهما. الدراسة منشورة في مجلة Cell Metabolism.
كانت الوجبات متطابقة من حيث السعرات، البروتين، الدهون، والكربوهيدرات. بعض الرجال تناولوا الكمية التي يحتاجها الجسم فقط، بينما حصل آخرون على 500 سعر إضافية.
النتائج كانت مذهلة: الرجال الذين تناولوا الأطعمة فائقة المعالجة زاد لديهم حوالي كيلوجرام واحد من الدهون أكثر مقارنة بالنظام غير المعالج، سواء تناولوا السعرات العادية أو الزائدة. كما تغيّرت مستويات الكوليسترول وضغط الدم نحو اتجاهات غير صحية.
قالت جيسيكا بريستون، الباحثة في جامعة كوبنهاجن: “نتائجنا تثبت أن الأطعمة فائقة المعالجة تضر بالصحة الإنجابية والتمثيل الغذائي، حتى عند عدم الإفراط في تناولها. هذا يشير إلى أن الطبيعة المعالجة لهذه الأطعمة هي ما يجعلها ضارة.”

الأطعمة المعالجة وتأثيرها على الصحة
النظام الغذائي الفائق المعالجة لم يزد الدهون فحسب، بل أعطاب التوازن الهرموني. انخفض التستوستيرون وهرمون FSH، وأظهرت حركة الحيوانات المنوية علامات تراجع، مما يؤثر على الخصوبة.
تغيرت هرمونات أخرى أيضًا؛ مثل عامل النمو والتمايز 15، المرتبط بالتمثيل الغذائي، الذي انخفض، وارتفع هرمون اللبتين المسؤول عن الشبع. هذه التغيرات تشير إلى أن النظام المعالج يغير كيفية تنظيم الجسم للوزن، حتى عند تناول السعرات بشكل معتدل.
مع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى ضعف القدرة الإنجابية، اضطراب إشارات الجوع، وزيادة تخزين الدهون. التغيرات الهرمونية هذه توضح كيف تعيد الأطعمة المصنعة برمجة أنظمة الجسم الأساسية، مما يزيد مخاطر الأمراض المزمنة والخصوبة على المدى الطويل.

ملوثات خفية في الطعام
حمل دم الرجال مستويات أعلى من الملوثات بعد النظام الفائق المعالجة، بما في ذلك الفثالات من التعبئة البلاستيكية، المعروفة بتأثيرها على الهرمونات. في المقابل، انخفض عنصر الليثيوم الذي يؤثر على المزاج. كما لوحظت تغييرات في مركبات صناعية أخرى، بما فيها المواد الكيميائية المحتوية على الفلور، والتي ارتبطت بتغيرات في هرمونات الغدة الدرقية والكوليسترول.
مع كل وجبة، استهلك المشاركون مواد لم يكن جسدهم بحاجة إليها، تراكمت بصمت في الدم والأنسجة. هذا يفسر جزئيًا سبب ارتباط الأنظمة الغذائية المصنعة بالسمنة ومشاكل الخصوبة وتغير المزاج وأمراض مزمنة محتملة.

ارتفاع غير متوقع للالتهابات
التحول إلى نظام غذائي غير معالج حسّن العديد من المؤشرات الصحية، لكنه تسبب أيضًا في ارتفاع مؤقت للالتهابات، ربما لأن الجسم اعتاد على كميات كبيرة من الطعام المعالج وفوجئ بالتغيير المفاجئ.
كما ظهرت بعض التأثيرات على الصحة النفسية، حيث ارتفعت درجات الاكتئاب لدى بعض الرجال على النظام الفائق المعالجة، بينما بقي القلق والتوتر ثابتين.
قال رومين باري، أستاذ في جامعة كوبنهاغن: “لقد صُدمنا من عدد الوظائف الجسمية التي تعطلت بسبب الأطعمة فائقة المعالجة، حتى عند الشباب الأصحاء. الآثار طويلة المدى مقلقة وتبرز الحاجة إلى مراجعة الإرشادات الغذائية لحماية أفضل من الأمراض المزمنة.”

الأطعمة المصنعة تضر الجسم
الدراسة توضح أن المشكلة ليست فقط في الإفراط في تناول السعرات. حتى عند تناول نفس كمية السعرات كالأنظمة غير المعالجة، يستجيب الجسم بشكل مختلف.
تهتز الهرمونات المنظمة للخصوبة والتمثيل الغذائي، تتراكم الملوثات من التغليف والإضافات، تتدهور جودة الحيوانات المنوية، وتزداد الدهون. كل هذا يحدث بغض النظر عن كمية الطعام، مما يوضح أن المعالجة نفسها هي السبب الرئيسي للضرر.
الأطعمة فائقة المعالجة صعبة التجنب، حيث تشمل الوجبات الخفيفة المعبأة، النودلز الفورية، حبوب الإفطار المحلاة، الوجبات المجمدة، واللحوم المصنعة. وهي شائعة بسبب رخصها وطعمها وجاهزيتها، لكن الأدلة الجديدة تكشف أن مخاطرها أبعد من مجرد “سعرات فارغة”.
الأطعمة فائقة المعالجة تغير كيمياء الجسم، تضعف الصحة الإنجابية، وتدفع الجسم نحو الأمراض المزمنة. التحول إلى طعام أقل معالجة ليس مجرد اختيار نمط حياة، بل خطوة نحو حماية الصحة على المدى الطويل. نقلا عن موقع المستقبل الأخضر
No comments:
Post a Comment