الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
بين ثنايا وتعرجات وادي المكليك السفلي يمكنك أن ترى اللوحات الربانية لجمال تضاريسه، الذي يتجلى في شكل الصخور البنية متناغمة مع زرقة السماء والصخور البيضاء على جنبات الوادي، وحينها لا تملك إلا أن تنسى همك ليرتفع هرمون السعادة رغماً عن حالة الكدر، وقد تُصاب بالمسّ ولكن ليس حد الجنون.
بالمختصر، هذا ما يفعله سحر الطبيعة الخلاب في أرجاء الوادي الواقع في برية القدس وأريحا، ولا يفتأ لساني يردد: "سامحك الله" يا عبد الفتاح أنت وفريق "اِمشِ وتعرّف على بلدك"، لقد جعلتم منا شعراء وكُتّاب وفنانين، فلا يمر أسبوع حتى نحظى بمسار أجمل من سابقه، ليكبر السؤال في كل مرة عن مقياس الجمال، وعن السبب الذي يدفع الشعراء للتغني به، إلى درجة أن الإله فينوس وهو "إله الجمال" كان يُعبد في زمن الحضارة الإغريقية.
![]() | ![]() |
ومع أن اسم وادي "المكليك" أو "المقلق" سُمي بذلك، لأن كل من يمشي فيه يشعر بالقلق، ولكن برأيي أن هذا غير صحيح، إذ كان يجب أن يُطلق عليه وادي الجمال "المقلق"، لأن بعض الجمال يؤدي للحب، والحب قد يؤدي للجنون في هذه الصحراء.
بعد ساعة سفر، أي منذ مغادرتنا لرام الله، وصلنا إلى مدخل مدينة أريحا وتابعنا السير شمالاً، ثم انعطفنا يمينًا متجهين ناحية الشرق، لتتوقف الحافلة عند الطريق المؤدية لوادي المكليك.
نزلنا إلى الوادي مسرعين لأننا توقفنا أمام إحدى المستعمرات، ومن ثم انعطفنا يمينًا والشمس كانت خلفنا، وعلى يسارنا القاطع الصخري المرتفع ذي اللون البني المحمّر بتضاريسه الآسرة.
وبعد 500 متر بدأنا في الدخول في تجاويف الوادي الصخرية الجميلة، يشدّنا المنظر للمتابعة، وكلنا لهفة لرؤية المزيد.
كان الطقس دافئاً نوعاً ما رغم "المربعانية" التي شحَّ فيها المطر، فالكميات التي هطلت ضئيلة جداً في مثل هذا الوقت - كانون الثاني/ يناير- مقارنة بالموسم الماضي، وبعد هنيهة وصلنا إلى القاطع الصخري والمثبّت فيه مقابض حديدية للتسلق للمستوى الأعلى، فبدأنا الصعود في التجويف الصخري باستخدام هذه المقابض لارتفاع يصل إلى 15 متراً.
![]() | ![]() |
استغرقَ الصعود وقتاً نظراً لأن عدد المشاركين بلغ نحو 50 مشاركاً، وتجمّعنا في ساحة بين جمال الصخور وزرقة السماء.
تابعنا الصعود في المقطع الثاني، وأيضًا بمساعدة المقابض الحديدية المثبّتة في الصخر، ودخلنا بعد ذلك الدهليز الصخري، ومن الواضح حدوث انهيارات جراء الأمطار، حيث كانت آخر زيارة لهذا المكان قبل أكثر من عامين.
كنت أمشي وحدي مستمتعاً، فقد تأخر بقية الفريق عن اللحاق بالمجموعة المتقدمة، لكن سحر المكان أنساني كل التعب لأعيش منفرداً للحظات أناجي الطبيعة الصامتة، وبعدها وصلنا لمنطقة واسعة وفيها إشارات تقاطع للجهات الأربعة.
انتظرنا وصول بقية الفريق، ثم انعطفنا نحو اليسار في طريق صاعدة، تستخدمها سيارات الدفع الرباعي والدراجات النارية "الموتورسيغلات".
![]() | ![]() |
الصعود كان متوسط الصعوبة ولكن الماشي محظوظ بأن ينعم برؤية تضاريس الجبال الصفراء مع سقوط أشعة شمس الصباح عليها، في تناغم مذهل يشعرك بجمال الأرض الصحراوية الجرداء، مع اختلاطها بزرقة السماء وبعض الغيوم البعيدة.
اتجهنا جنوباً متابعين المسير بين طلوعٍ ونزول، حتى وصلنا إلى منطقة تطل على البحر الميت من بعيد على يسارنا، وشعرنا عندئذ أن صفحة المياه أعلى من المستوى الذي نحن فيه، علماً أن مستوى مياه البحر تعد أخفض منطقة في العالم.
وهنا أخذنا استراحة واستمتعنا ببهاء الإطلالة أمامنا، وفي الأسفل منا رأينا "وادي قمران" و"منتجع كاليا" السياحي، وخلفهما شاطئ البحر الميت وجبال الأردن الشقيق، وبعدها التقطنا الصور وغادرنا باتجاه "قُمران".
![]() | ![]() |
الوصول إلى وادي قُمران
من بعيد، لاحت تلة بنية اللون بتضاريس طبيعية، وعلى يمينها تراءت سلسلة جبلية باللون ذاته، تحتضن واديًا صخريًا ويُطلق عليه وادي قُمران.
نزول الوادي كان صعباً ويتطلب تركيزاً كبيراً، لكن استطعنا الوصول بسلام.
وفي الوادي تراكيب صخرية ملساء على شكل حذوة فرس، متنوعة الألوان بين الرمادي والأبيض والأصفر، وفي فجواتها تجمعات مائية.
واختلف الباحثون على معنى قُمران، فبعضهم يرى أنه اسم عربي مشتق من كلمة (قُمرة) أي لون البياض المائل إلى الخُضرة، نسبة للون أرضها الكلسية البيضاء المائلة للون الأخضر، لما يتخللها من النباتات المفيدة للرعي.
آخرون يرون أن قمران مثنى قمر إذ يعكس القمر ضوءه على سطح البحر الميت المجاور للمنطقة، فيظهر وجهان للقمر وبالتالي جاءت كلمة قُمران، ويعتقد بعضٌ آخر أن قُمران نسبة إلى إحدى القبائل من البدو التي كانت تحمل اسم قمر، وقد سكنت تلك المنطقة.
وتقع بالقرب منها "خربة قُمران" وهي موقع أثري صغير الحجم، يقع على مقربة بضع كيلومترات جنوبي شواطئ البحر الميت.
![]() | ![]() |
ويدّعي الاحتلال أنه وجد مخطوطات تاريخية مقدسة (مخطوطات البحر الميت) بعد أن عثر عليها بدو "عرب التعامرة"، وهذه المخطوطات مكتوبة باللغات العبرية القديمة والسريانية والآرامية واليونانية، وهي عبارة عن 600 مخطوط وعدد صفحاتها أربعة آلاف صفحة، ويُقال إنها غير حقيقية، وإن الاحتلال أخفاها في المكان، وأرشد إليها أحد بدو التعامرة، ليسيطر على المكان باعتباره أثراً مهماً؛ من أجل احتلاله وإثبات أن لهم تاريخاً في هذه الأرض المباركة، وحولَّها إلى محمية طبيعية.
استمتعنا بجمال المكان ووجبة الإفطار، وما لبثنا أن غادرناه متجهين شرقاً صعودًا في الجبل، في درب تحيط به نبات البصيلة الذي ينمو بين الصخور وعلى يسارنا وفي الأسفل، امتدادًا لوادي قمران.
من بعيد بدأت تلوح الدفيئات والسهول الزراعية، وكذلك قمران ومنتجع كاليا، وبدأنا ننزل نزولاً صعباً وسط شعاب الصخر، ونتعرج فيه يمنة ويُسرة، ولا نستطيع رفع رؤوسنا في أثناء المشي، لما في الأمر من مخاطرة، قد تؤدي للسقوط في الوادي السحيق.
وأخيراً تمكنا من النزول والوصول للمنطقة السهلة وانتظرنا حضور بقية الفريق، ومن ثم تابعنا السير في درب محاط بالحجارة على جانبيه، وكنا نتقدم الصفوف أنا وعلاء سمامرة، وانعطفنا نحو اليمين، ومن ثم اتجهنا نحو الحافلة التي كانت في انتظارنا.
اجتمع بقية أعضاء الفريق، وغادرنا المكان عائدين إلى رام الله بعد أن قطعنا حوالي ثلاثة عشر كيلومتراً في أجواء مثالية تدل على حسن الاختيار والتوقيت.
وصلنا إلى رام الله الساعة الثانية ظهراً، وكانت الطرق سهلة، وأخذنا نمنّي أنفسنا بالمسار القادم، بعد أن تضع الحرب أوزارها ونأمل أن تكون نهايتها وشيكة، وقتها سنحتفل مع أهل غزة، تمهيداً لانتصارنا الكامل.
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
.jpg)




























No comments:
Post a Comment