الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
تنطلق فعاليات مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) في مدينة بيليم البرازيلية في 10 نوفمبر 2025، في لحظة حرجة يشهد فيها العالم تصاعدًا للأزمة المناخية، بعد أن سُجل عام 2024 كأكثر الأعوام حرارة في التاريخ، متجاوزًا عتبة 1.5 درجة مئوية لأول مرة.
ورغم التقدم المحقق منذ توقيع اتفاق باريس قبل عشر سنوات، ولا سيما في نشر مصادر الطاقة المتجددة وانخفاض تكلفتها، فإن العالم لا يزال بعيدًا عن تحقيق التخفيضات السريعة والمستمرة المطلوبة في الانبعاثات.
ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتنامي النزعات الشعبوية، والضغوط الاقتصادية، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس، تراجعت قضايا المناخ على جدول الأولويات السياسية العالمية، ما يهدد النظام متعدد الأطراف القائم على القواعد.
حدث عالمي ضخم
لم يعد مؤتمر الأطراف مجرد اجتماع تقني، بل تحول إلى حدث عالمي ضخم؛ إذ جذب مؤتمر دبي (COP28) أكثر من 80 ألف مشارك، مدفوعًا بتنامي “أجندة العمل” التي تضم المدن والشركات والمجتمع المدني إلى جانب الحكومات والمنظمات الدولية.
ويأتي مؤتمر بيليم في منعطف حاسم لعملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إذ باتت حقبة التفاوض على القواعد شبه مكتملة مع دخول اتفاق باريس ولوائحه التنفيذية حيز التطبيق الكامل.
وتتمثل المهمة الأساسية المقبلة في تنفيذ هذه القواعد بفاعلية عبر التعاون والتنسيق لتجاوز العقبات الواقعية أمام العمل المناخي.
بوابة غابات الأمازون
وتحمل بيليم رمزية كبيرة باعتبارها بوابة غابات الأمازون، غير أن موقعها يفرض تحديات لوجستية، أبرزها أزمة الإقامة وارتفاع الأسعار، ما يهدد بتقليص مشاركة الوفود القادمة من الدول الفقيرة والمجتمع المدني، ويؤثر على شمولية المؤتمر ومصداقيته.
ويشمل جدول أعمال المؤتمر قضايا فنية مهمة، مثل تحديد مؤشرات لقياس التقدم في الهدف العالمي للتكيف، وتوجيه برنامج الانتقال العادل، إلى جانب مناقشات حول التمويل ومتابعة نتائج المراجعة العالمية الأولى، والتي يُتوقع أن تكون محورًا خلافيًا.

التحدي الأكبر في بيليم
لكن التحدي الأكبر في بيليم سيظل سياسيًا، يتمثل في ضعف طموح التعهدات الوطنية الجديدة (NDCs) الخاصة بعام 2035، والتي تشير التقديرات المبكرة إلى أنها لن تقترب من مسار 1.5 أو حتى 2 درجة مئوية. كما يتعين على المجتمع الدولي إيجاد آلية واقعية لزيادة التمويل الموجه للدول النامية، رغم خفض الدعم من جانب بعض الدول المتقدمة.
وتسعى الرئاسة البرازيلية إلى تحقيق نتيجة تُعيد الزخم إلى العمل المناخي العالمي، من خلال ثلاث مقاربات محتملة:
– القيادة السياسية: عبر قمة رفيعة المستوى قبل الافتتاح لإطلاق رسائل طموحة من قادة العالم.
– نتيجة تقليدية تعتمد على القرارات: بإصدار بيان سياسي يدعو جميع الأطراف إلى تعزيز أهدافها، وإن كان ذلك قد يظل رمزيًا.
– منتدى التنفيذ: بإعادة هيكلة أجندة العمل حول محاور المراجعة العالمية، مع خطة متابعة صارمة تضمن التنفيذ والمساءلة.
تحفيز الإصلاحات في النظام المالي الدولي
ومن المرجح أن تجمع المقاربة المثلى بين هذه العناصر الثلاثة، مع البناء على خرائط الطريق القائمة مثل “مهمة 1.5” و“من باكو إلى بيليم”، لتعزيز التقدم وتحفيز الإصلاحات في النظام المالي الدولي.
أما الاتحاد الأوروبي، الذي تتعرض مصداقيته للاختبار في ظل الانقسامات الداخلية والاضطرابات العالمية، فعليه استعادة الريادة عبر تقديم مساهمة وطنية جديدة أكثر طموحًا، والحفاظ على الصفقة الخضراء الأوروبية، وتوسيع الشراكات والتمويل المناخي.
قد يشكّل مؤتمر بيليم بداية تحول ضروري في عملية مؤتمرات الأطراف، ينتقل من مرحلة وضع القواعد إلى التنفيذ الفعلي، ويعزز الترابط مع منظومة الأمم المتحدة، بما يمهّد لمرحلة أكثر فعالية وعدالة في الحوكمة المناخية العالمية.

No comments:
Post a Comment