الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
تشهد الحياة الدقيقة في البحر المتوسط تراجعًا مستمرًا منذ أكثر من عقد، حيث أظهرت دراسة طويلة الأمد انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الفيروسات البحرية منذ عام 2011.
هذه الكائنات الدقيقة، التي تبدو غير مرئية للعين، تؤدي دورًا حيويًا في إعادة تدوير المغذيات والكربون، وتشكيل شبكة الغذاء البحرية التي تمتد من الميكروبات الصغيرة إلى الأسماك، وهي بذلك حجر الزاوية لاستقرار النظام البيئي الساحلي.
الدراسة، التي قادها شابير لوبيز-ألفورخا، عالم البيئة الميكروبية البحرية في معهد علوم البحار (ICM-CSIC) في برشلونة، اعتمدت على سجل مستمر من مياه خليج “بلانِس” الإسباني، حيث جُمعت عينات سطحية شهريًا على مدار 18 عامًا.
التحليل كشف أن انخفاض أعداد الفيروسات بدأ في بداية العقد الماضي، بالتوازي مع تغيرات بيئية واضحة تشمل ارتفاع حرارة المياه، زيادة صفائها، وتراجع مستويات المغذيات والكلوروفيل.
تتسبب هذه التغيرات في إضعاف ما يُعرف بـ”التحويل الفيروسي” (Viral Shunt)، العملية التي تساعد على إطلاق الكربون والعناصر الغذائية من الخلايا الميكروبية وتحويلها إلى المسطحات المائية السطحية أو إلى أعماق البحر عبر “النقل الفيروسي” (Viral Shuttle).
وبغياب كميات كافية من الفيروسات، تتباطأ هذه العمليات الحيوية، مما يضعف إنتاجية البحر ويهدد التوازن الغذائي الذي تعتمد عليه المجتمعات الساحلية.

البحر المتوسط يسخن بوتيرة أسرع من معظم البحار الأخرى
تشير الدراسة أيضًا إلى أن ارتفاع درجات حرارة البحر المتوسط الغربي – الذي يسخن بوتيرة أسرع من معظم البحار الأخرى – إلى جانب نقص الفوسفور والنيتروجين، يدفع الفيروسات إلى الدخول في حالة خمول مؤقتة تُعرف بالتحلل الكامن (Lysogeny)، حيث يختفي الحمض النووي الفيروسي داخل الخلايا المضيفة وينتظر ظروفًا أفضل للنشاط. هذا التحول في السلوك الفيروسي له آثار بعيدة المدى على التنوع الجيني للفيروسات وعلى قدرة النظام البيئي على الصمود أمام تغير المناخ.
وقد أظهرت نماذج إحصائية متقدمة وشبكات عصبية أن الزمن نفسه هو العامل الأكثر تأثيرًا في انخفاض أعداد الفيروسات، ما يعكس الضغط البيئي الطويل المدى الذي تواجهه هذه الأنظمة.
أما التغيرات الشهرية في أعداد الفيروسات، فترتبط مباشرةً بتوفر المغذيات وكثافة الكائنات المضيفة مثل البكتيريا والطحالب الدقيقة.

ويحذر العلماء من أن استمرار هذه الاتجاهات سيؤدي إلى تقليل إنتاجية السواحل، ويضعف الأمن الغذائي للأنشطة البحرية مثل الصيد، كما قد يحد من قدرة المحيطات على امتصاص الكربون، ما يفاقم أزمة تغير المناخ العالمية.
تُظهر هذه النتائج أن حتى أصغر الكائنات البحرية تتأثر بشكل عميق بالتغيرات المناخية والبيئية، وأن رصدها على المدى الطويل يعد مفتاحًا لفهم مستقبل المحيطات وحماية النظم البيئية الساحلية التي تعتمد عليها البشرية.
الدراسة نُشرت في دورية ISME Communications، مع الإشارة إلى أن الفريق يخطط لتحليل المادة الوراثية للفيروسات لأرشيف العقود الماضية، لمعرفة مدى تأثير هذا الانخفاض على التنوع الفيروسي والأثر البيئي الشامل.

No comments:
Post a Comment