مغارة الرسومات في بيت جبرين تروي أسرار الموت والحياة في العصر اليوناني

 الأراضي المقدسة الخضراء /GHLands

في بلدة بيت جبرين غرب الخليل، المعروفة تاريخيًا باسم "بلدة الألف كهف"، تبرز مغارة فريدة من نوعها في فلسطين، تضم رسومات جدارية نادرة تعود إلى الحقبة اليونانية، وتمنح الباحثين صورة واضحة عن طقوس الدفن والمعتقدات السائدة في تلك الفترة التاريخية. وتعد هذه المغارة الوحيدة المكتشفة في فلسطين التي تحتوي على هذا المستوى من الفن الجنائزي، والذي يمثّل أشخاصًا وحيوانات وآلات موسيقية.

ويُرجّح الباحثون أن المغارة كانت مقبرة لعائلة شخصية بارزة تُدعى أبوقالِيس بن سيميوس، الذي حكم المنطقة لمدة 33 عامًا، وتوفي عن عمر ناهز 74 عامًا، بحسب نقش باللغة اليونانية عُثر عليه داخل المقبرة. وتشير المصادر إلى أن أبو قاليس كان زعيمًا لبلدة "مريشة"، الواقعة على التل الذي يضم المغارة، وهي كلمة كنعانية تعني "القمة".

ومن أبرز الرسومات التي تميّز المغارة، رسم نسر يطل على القبور، وهو في الحقيقة يرمز إلى طائر الفينيق الأسطوري الذي يولد من جديد من الرماد، في دلالة على النار والحياة المتجددة، ويرمز إلى الإيمان بالحياة بعد الموت لدى الشعوب القديمة.

كما تضم المقبرة كهفًا صغيرًا يُعرف باسم "كهف الموسيقيين"، يحتوي على رسم لرجل يعزف على الناي وامرأة تعزف على القيثارة، ويُعتقد أن هذه الرسومات كانت تهدف إلى مرافقة الميت بالموسيقى في رحلته إلى العالم الآخر، ضمن طقوس دفن كانت شائعة في العصر اليوناني.

وتثير رسومات الحيوانات في المقبرة تساؤلات كبيرة، لا سيما أن بعض الحيوانات المرسومة — مثل الفيل — لم تكن تعيش في فلسطين. ويعتقد بعض الباحثين أن الفنان الهيليني الذي نفذ هذه الرسومات ربما شاهد هذه الحيوانات في حدائق الحيوان بمدينة الإسكندرية المصرية، التي أنشأها اليونانيون، واستلهم منها رسوماته.

وتبقى هذه المغارة شاهدًا فريدًا على امتزاج الفن بالمعتقد الديني، وعلى انفتاح فلسطين قديمًا على الثقافات المتوسطية، بما فيها الحضارة اليونانية، في لوحة تاريخية نادرة تُنطق الحجر وتحكي قصة الإنسان في مواجهة الموت بالحلم والرمز والفن.