الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
يُعد نهر صُكيرير (أو صُكْرير)—المعروف أيضًا في بعض الخرائط بـ نهر لخيش—أحد أبرز الأودية الفلسطينية التي شكّلت عبر التاريخ محورًا جغرافيًا واستيطانيًا مهمًا بين يافا وغزة. يمتد النهر نحو 65 كيلومترًا من سفوح جبال الخليل حتى البحر الأبيض المتوسط، وقد حمل أسماء متعددة باختلاف الحقب التاريخية، إذ أطلق عليه الكنعانيون اسم نهر شَكرون نسبة لبلدتهم القديمة شَكرون، التي تُعرَف أطلالها اليوم باسم خِربة سُكْرير.
يبدأ الوادي مساره من منطقة قرية أذنه غرب الخليل، على ارتفاع 500 متر فوق مستوى سطح البحر، قبل أن ينحدر غربًا نحو الدوايمة ثم يتجه شمالًا وغربًا باتجاه القبيبة. في هذه المرحلة يكون الوادي ضيقًا وعميقًا يخترق صخورًا كلسية قاسية تعود إلى العصر الكريتاسي والأيوسين، لكنه ما يلبث أن يتسع تدريجيًا عند دخوله السهل الساحلي حيث تسود الرواسب الرملية والترسبات اللينة.
ويتغذّى نهر سُكْرير من عدد كبير من الروافد المنحدرة من الأقدام الغربية لجبال الخليل، أبرزها وادي زريقة، وادي العسل، وادي الجرف، ووادي قريقع، مما يجعله نظامًا مائيًا سيليًا يعتمد أساسًا على مياه الأمطار والينابيع الموسمية. وتعد عين دروس والعين النورية من أهم الينابيع التي كانت تغذّي النهر بشكل دائم، خاصة في الجزء الأدنى منه قرب جسر أسدود.
ولطالما ارتبط النهر بالحياة الطبيعية الغنية التي كانت تحيط به، إذ انتشرت على ضفافه الغابات البرية والنباتات المتسلقة، كما وفرت مياهه بيئة خصبة لأسماك المياه الضحلة ولأنواع عديدة من الطيور مثل البط البري، ودجاج الماء، والسمان. غير أن المستنقعات الكثيفة الواقعة آنذاك على مجراه كانت مصدرًا للأمراض، وقد تأثر بها السكان المحليون، إلى جانب جيش نابليون الذي مرّ بالمنطقة خلال حملته على بلاد الشام.
وفي أواخر عهد الانتداب البريطاني، بدأت حملات منظمة لمكافحة البعوض وتجفيف المستنقعات، إلا أن التغير الأكبر طرأ بعد نكبة عام 1948، حين تم استغلال ينابيع النهر للزراعة وإزالة الغابات، ما أدى إلى جفاف غالبية مجراه الأدنى وتحوّله لاحقًا إلى مجرى تستقبل فيه مياه المصانع.
تاريخيًا، شكّل النهر حدًا فاصلًا في قرار التقسيم عام 1947، حيث أصبح أكثر من ثلثي أراضي سُكْرير تحت سيطرة اليهود، فيما اتخذ الجيش المصري من ضفافه الحدّ الذي لم يتقدّم شماله خلال حرب 1948. كما شهد النهر ارتفاعًا كبيرًا في منسوب مياهه شتاء عام 1991، مما تسبب بفيضانات غمرت أجزاء واسعة من مدينة أسدود.
أما في الخرائط الحديثة، فيُعرف النهر باسم نهر لخيش نسبةً إلى مدينة لاخيش الكنعانية القديمة الواقعة آثارها قرب القبيبة، ويُعدّ حوضه المائي الذي تبلغ مساحته نحو 1006 دونمات رابع أكبر الأحواض التي تصب في البحر المتوسط بعد وادي غزة ونهر العوجا ونهر المقطع.

No comments:
Post a Comment