الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
يُعد مسجد سلمان الفارسي في مدينة أسدود الفلسطينية واحدًا من المعالم الدينية والتاريخية البارزة، إذ يشكّل جزءًا من مزار تاريخي أُنشئ في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في القرن الثالث عشر الميلادي. ويقع المقام في الجهة الغربية من البلدة القديمة، خلف مقام المتبولي، وظل على مدى قرون مقصدًا للأهالي والزوار.
وبحسب النقش الرخامي المثبت في المسجد، فقد أُمر بعمارة هذا المسجد المبارك سنة 667هـ الموافق 1268م، على يد الأمير المملوكي علم الدين سنجر التركستاني، في أيام السلطان الظاهر بيبرس. ويحمل النقش آية قرآنية تؤكد مكانة المسجد ودوره الديني، ما يعكس أهمية الموقع في تلك الحقبة.
يتكوّن المسجد من بناء قديم تتوسطه غرفة تؤدي إلى مغارة سفلية عبر ممر حجري متدرج، يصل الزائر في نهايته إلى مقام يتوسطه باب خشبي عتيق. وتُعد هذه المغارة من أبرز العناصر الأثرية في الموقع، إذ يصفها الباحث عبد الرحمن عوض الله بأنها شارع قديم مرصوف بالحجارة، تحفّ به دكاكين صغيرة ذات عقود متتالية، ما يشير إلى عمق تاريخي يعود إلى فترات أقدم من العهد المملوكي.
وشاع بين الأهالي الاعتقاد بأن المقام يعود للصحابي الجليل سلمان الفارسي، ولذلك حمل المسجد اسمه، على غرار تسمية العديد من المساجد بأسماء الصحابة والتابعين. غير أن مصادر تاريخية عدة تؤكد أن هذا الاعتقاد غير دقيق، إذ تشير الروايات الموثوقة إلى أن سلمان الفارسي توفي في المدائن بفارس (إيران) سنة 656م بعد أن كان واليًا عليها.
في المقابل، يذهب عدد من المؤرخين، من بينهم المسعودي في كتابه مروج الذهب، والباحث مصطفى الدباغ في بلادنا فلسطين، إضافة إلى الرحالة عبد الغني النابلسي، إلى أن المقام يعود في الأرجح للصحابي عبد الله بن أبي السرح، أمير البحر وقائد معركة ذات الصواري، الذي توفي ودُفن في أسدود سنة 657م.
وبين الرواية الشعبية والتوثيق التاريخي، يبقى مسجد سلمان الفارسي شاهدًا حيًا على تعاقب الحضارات الإسلامية في أسدود، ومعلَمًا أثريًا ودينيًا يعكس غنى المدينة بتاريخها وتعدد طبقاتها الحضارية.

No comments:
Post a Comment