???????

Saturday, December 13, 2025

حاجز إسرائيلي جديد يلتهم سلة غذاء الضفة الغربية ويهدد بتهجير مزارعيها

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



لم يكن وصول إشعارات الإخلاء إلى قرية أتوف الفلسطينية حدثًا معزولًا أو إجراءً إداريًا عابرًا، بل حلقة جديدة في مسار طويل من إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة الغربية، وتحديدًا في وادي الأردن، الذي يُعد من أكثر المناطق استراتيجية وزراعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الإخطارات، التي ظهرت فجأة ملصقة على المنازل والبيوت البلاستيكية وآبار المياه، رسمت خطًا مستقيمًا يشق الأراضي الزراعية الخصبة، معلنة مصادرة الأرض ومنح أصحابها مهلة لا تتجاوز سبعة أيام للمغادرة. الخط لا يمثل فقط مسار طريق عسكري وحاجز أمني جديد، بل يرمز عمليًا إلى قطيعة قسرية بين الفلسطيني وأرضه ومصدر رزقه.



تقع أتوف على السفوح الغربية لوادي الأردن، وهي منطقة تُصنّف تاريخيًا على أنها «سلة غذاء» الضفة الغربية، بفضل تربتها الغنية ومصادر مياهها الجوفية، التي غذّت الزراعة فيها عبر أجيال متعاقبة. معظم العائلات التي تلقت أوامر الإخلاء تمتلك سندات ملكية رسمية، وبعضها اشترى أراضي إضافية في السنوات الأخيرة بأسعار مرتفعة، في رهان على استمرارية الزراعة كمصدر دخل وحيد.

لكن هذا الرهان يبدو اليوم خاسرًا أمام واقع القوة العسكرية. فعلى الرغم من تقديم مجلس القرية طعنًا قانونيًا أمام المحاكم الإسرائيلية، فإن سكان أتوف لا يخفون تشاؤمهم. التجربة، كما يقول المزارعون، تؤكد أن المسار القضائي نادرًا ما يوقف مشاريع تصفها إسرائيل بأنها «أمنية»، حتى عندما تطال أراضي خاصة موثقة

ما يجري في أتوف ليس سوى الجزء الأول من مشروع ضخم أطلقت عليه إسرائيل اسم «الخيط القرمزي»، وهو حاجز يمتد، وفق وزارة الدفاع الإسرائيلية، لمسافة تصل إلى 500 كيلومتر، من مرتفعات الجولان شمالًا حتى خليج العقبة جنوبًا. المشروع، الذي تُقدّر تكلفته بنحو 5.5 مليار شيكل، لا يقتصر على سياج أو جدار، بل يشمل طرقًا عسكرية، ومناطق عازلة، وأنظمة مراقبة متطورة من كاميرات ورادارات وأجهزة استشعار.

استهدف أراضي ذات قيمة زراعية عالية

الخطاب الرسمي الإسرائيلي يربط المشروع بالحاجة إلى «تعزيز الأمن ومنع تهريب السلاح»، غير أن منظمات حقوقية وباحثين إسرائيليين يشككون في هذا التبرير، خاصة في حالة أتوف، حيث لم تُسجّل سوى حادثة أمنية واحدة خلال السنوات الأخيرة. ويرى هؤلاء أن اختيار مسار الحاجز لم يكن اعتباطيًا، بل استهدف أراضي ذات قيمة زراعية عالية، ما يعزز فرضية أن الأمن يُستخدم كغطاء لإعادة توزيع الأرض لصالح التوسع الاستيطاني.

بحسب تقديرات منظمة «كيريم نافوت»، فإن نحو 85% من الأراضي المشمولة بقرارات المصادرة حول أتوف هي ملكيات خاصة، وليست «أراضي دولة» كما تدّعي إسرائيل في حالات أخرى. هذه الأراضي، الممتدة على نحو ألف دونم، تُنتج محاصيل استراتيجية مثل الخضراوات، والبطاطس، والعنب، والموز، والزيتون، وتشغّل عشرات العائلات بشكل مباشر، فضلًا عن العمال الموسميين.

عبدالله بشارات، رئيس مجلس قرية أتوف،

الخطر لا يقتصر على فقدان الأرض فقط، بل يمتد إلى تدمير منظومة الري بالكامل. فشق الطريق العسكري سيقطع خطوط المياه التي تنقل المياه من التلال الغربية إلى الأراضي الزراعية شرقي المسار المقترح. ومع غياب بدائل، يعني ذلك عمليًا نهاية النشاط الزراعي حتى في الأراضي التي قد لا تُصادر رسميًا.


40 عائلة قد تُعزل خلف الحاجز

رئيس مجلس القرية، عبدالله بشارات، يحذر من أن ما يصل إلى 40 عائلة قد تُعزل خلف الحاجز، وتُحرم من الوصول إلى القرية ومصادر المياه والخدمات. ويشير إلى أن المنطقة العازلة، التي قد يصل عرضها إلى 200 متر على جانبي الطريق والحاجز، ستُضاعف المساحة المتضررة، وتحوّل أجزاء واسعة من الأرض إلى مناطق محظورة لا يُسمح بالزراعة أو البناء فيها.

وفي نقطة أخرى على مسار الحاجز، تخطط إسرائيل لتطويق تجمع رعوي فلسطيني بالكامل في خربة يرزا، ما يهدد بتحويله إلى «جيب مغلق»، على غرار نماذج سابقة في الضفة الغربية، حيث يصبح السكان محاصرين داخل أسوار، يخضع خروجهم ودخولهم لتصاريح عسكرية.

يأتي هذا التصعيد في سياق توسع استيطاني غير مسبوق. فوفق حركة «السلام الآن»، سجّل العام الجاري أعلى عدد من عطاءات البناء الاستيطاني في تاريخ الضفة الغربية، بزيادة كبيرة عن الأعوام السابقة. وبالتوازي، تنتشر بؤر استيطانية غير رسمية في وادي الأردن، تحظى بحماية الجيش وتسهيلات الشرطة، رغم كونها غير مرخصة رسميًا.

رئيس مجلس القرية، عبدالله بشارات

تهديد وجودي طويل الأمد



بالنسبة لسكان أتوف، لا يتعلق الأمر فقط بخسارة موسم زراعي أو مصدر دخل مؤقت، بل بتهديد وجودي طويل الأمد. فمصادرة الأرض تعني تفريغ المنطقة من سكانها الفلسطينيين تدريجيًا، وفتح المجال أمام توسيع السيطرة الإسرائيلية على واحدة من أكثر المناطق حيوية في أي تصور لدولة فلسطينية مستقبلية.

ويخلص مراقبون إلى أن «الخيط القرمزي» لا يرسم فقط حاجزًا أمنيًا، بل يرسم حدودًا سياسية واقتصادية جديدة على الأرض، تُقوّض التواصل الجغرافي الفلسطيني، وتعيد تعريف وادي الأردن من مساحة زراعية فلسطينية مفتوحة إلى شريط محاصر، تتحكم فيه إسرائيل عسكريًا واستيطانيًا، مع ما يحمله ذلك من تداعيات بعيدة المدى على الأمن الغذائي، والاستقرار السكاني، وأفق الحل السياسي.



No comments:

Post a Comment