الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
خاص بآفاق البيئة والتنمية
![]() |
تجارة التراب الإسرائيلي السام تنقل الموت إلى قرى غرب رام الله- مركز تطوير الإعلام |
ليس فحسب، الشاحنات الكبرى التي تحمل مخلفات التجريف في سفوح الجبال في مختلف مناطق الضفة الغربية والتي باتت منظرًا يوميًا معتادًا مع توسع النشاط العقاري في بناء الأبراج الإسمنتية في المدن والأرياف في الضفة، فإننا نشاهد أيضًا ناقلات شبيهة تحمل التراب الأحمر القاني الخالي من الصخور، أو الأسمر الموحي بالخصب من لونه، منقولًا إلى حدائق العمارات التي أُنشئت بعد تجريف آلاف الاطنان من التربة الممزوجة بالصخر لتضحي طممًا يغطي مساحة جديدة من أراضٍ يمكنها أن تكون مزروعة حتى لو بشجر حرجي.
هذا التقابل في عمليتي التجريف، بات آفة تضر بالبيئة الفلسطينية، وتخلق نمطًا مشوهًا من استخدام الأراضي المتاحة مع تقلّص المساحات تحت الأقدام الفلسطينية بسبب النهب الاستيطاني وإجراءات منع البناء في أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
حتى الآن لا تتوفر معلومات إحصائية دقيقة حول كميات الطمم الخارجة عن الاستخدام العقاري الإنشائي للأرض، كما لا تتوفر أي إحصاءات عن كميات التراب الخصب المُنتزع من السهول والمروج الضيقة بين الجبال لتفي باحتياجات القصور التي أنشأها محدثو النعمة في وطن كل ترابه مستهدف من دولة الاحتلال وعصاباته الاستيطانية، باعتباره موضوعًا للتهويد وبساطًا يُسحب من تحت أقدام الشعب الفلسطيني، مع النوايا المعلنة والمتبناة سياسيًا لتهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه.
خلال محاولاتي البحث عن أي سياسة وطنية تحدّ من هذه الظاهرة، أو أي معالجة حتى لو صحفية لم أجد إلا ما ندر من معالجات، فيما لم أجد أي قرارات أو سياسات حكومية تعالج هذه المواضيع.
مصادفة، وجدت أن سلطنة عمان، على سبيل المثال، وضعت تشريعات ونواظم لعمليات نقل التراب، كذلك في السعودية، بينما لا يصل إلى وعي من يعيش تحت سيف سرقة التراب والأرض من يولي هذه الظاهرة اهتمامه.
تمر من حي البالوع في مدينة البيرة فتجد ما كان سهلاً يعج بالمقاثي بات مسكونًا بالعمارات، وما تبّقى منه مجرفًا للتحضير لعمارات جديدة، كذلك سهل البالوع في بيتونيا، وسهل جنين الذي يُسمى الحي الأميركي، وستجد في كل محافظة نماذج شبيهة.
أتربة إسرائيلية سامة تهرب إلى قرى غرب رام الله- خاص
تجارة التراب
لم يعد يقتصر الأمر على عملية عشوائية لتجريف المروج في أطراف القرى والمدن، بل بات الأمر تجارة مربحة، فالحفر في منطقة سهلية يتفاوت عمق التراب فيها من مترين إلى ثلاثة، سيعطي أي مقاول ميزة أن يبيع التراب بما يغطي تكلفة الحفر للوصول إلى الصخر وصبّ أساسات العمارات.
فسعر "نقلة التراب" حوالي 600 شيقل، وهي مربحة إذا حسبنا أن أجرة السيارة الناقلة لا تتعدى 200 شيكل، فيما تكلّف عملية حفر التراب وتعبئة الناقلة حوالي 100 شيكل، بمعنى أن هناك ربحًا صافيًا بنسبة 100% يحصل عليه تاجر التراب، وهذا أجر مجزٍ بالنسبة لأي مقاول، يخفّف عنه تكلفة البناء ويزيد أرباحه.
الغازات السامة المنبعثة من النفايات الإسرائيلية في المكب العشوائي في بلدة رنتيس- آفاق
التناقل العكسي للتراب
يشير محمد الغفري في مقال له حول هذه الظاهرة في قرية رنتيس في محافظة رام الله التي تربض على حافة الساحل/ الجبل، حيث يجري تبادل التراب النقي بالتراب السام.
المشهد في ظهيرة يوم الأربعاء 14 تموز/ يوليو 2021، بينما يتابع معدّ التحقيق المشهد في الشارع الرئيس، بانتظار وصول شاحنة تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية عبر الحاجز، كي تفرغ حمولتها من الأتربة في أرض قريبة داخل حدود الضفة الغربية.
ويتكرر المشهد عشرات المرات في اليوم الواحد (حوالي 30 شاحنة يوميًا)، وتبيّن أن هناك شخصين يتعاملان مع الإسرائيليين يسهلاّن عملية تصدير التراب السام إلى الضفة مقابل أجرة او مبالغ مقطوعة، ومن ثم نقل التراب النظيف من سهل رنتيس إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
لقد فحص مختبر جامعة بيرزيت عينات من التراب الملقى في رنتيس، فوجده مليئًا بالمعادن السامة كالرصاص والكروم والألمنيوم[1].
ورغم التوجه للحكم المحلي بالشكاوى، الا أن ذلك لم يردع تجار التراب السام عن ذلك.
يحدث هذا أيضًا في قرى شقبا وقبية (قضاء رام الله) دون أي اهتمام من الجهات الرسمية الفلسطينية، علماً أن ما تواجهه قرية قبية أشد خطرًا، فهم ينتزعون ترابها ويضعون مكانه التراب الإسرائيلي السام.
وبهذا الخصوص، تقول عبير البطمة منسقة شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية إن ما يحدث يتم على مستوى شركات كبيرة ورؤوس أموال فلسطينيين بالتعاون مع إسرائيليين، ولا يقتصر على صاحب شاحنة يتفق مع صاحب أرض، لأنه عندما تصل الشكوى لدرجة ما، يُغلق الملف، وهذا بشهادات عدة وصلت إليها عقب تعمقها في القضية.
نفايات إسرائيلية خطرة تسمم التربة في رنتيس
هل من تشريع يحمي التراب؟
لا يوجد تشريع كهذا لدينا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لكن أي قضية رُفعت إلى المحاكم في هذا الشأن، كانت تُكّيف وفق قانون البيئة رقم (7) لسنة 1999 الذي يحظر نقل النفايات السامة والخطرة، فيما تكون العقوبات بشأن هذه المخالفة بسيطة، ويستطيع أي من تجار التراب تحملها بسهولة والعودة لممارسة النشاط ذاته دون اكتراث.
إن غياب قانون يحمي التربة وخصوبتها ويمنع نقلها من الأماكن الخصبة، يشجع على تجارة التراب الداخلية قبل تبادلها مع المستوطنات أو داخل المناطق المحتلة عام 1948، كما أن هناك دورًا لوزارة الحكم المحلي في إعادة النظر بمسطحات الأراضي المسموح البناء عليها، وبالتالي تجنيب الأراضي الخصبة من عمليات التبوير الناشئة عن جرف التربة.
وللتذكير فقط، نحن حينما نحلّل المشهد العمراني الفلسطيني القديم، نجد أن المناطق المسكونة كانت في سفوح وقمم الجبال، بينما تُركت الوديان والمروج للزراعة بما يكسبهم قوتهم، ونتج عن هذا طبيعة متوازنة متصالحة ومنسجمة مع بيئتها، فأصبحت نمطًا عامًا للقرية الفلسطينية.
وكم من قرية فلسطينية يبدأ اسمها بـ (تل، راس،... الخ)، ربما يكون لذلك مغزى ودافع نحو تعمير الجبال وقممها بدلًا من تبوير السهول، وهذا يحتاج إلى تخطيط حضري يراعي التنمية الخضراء من جهة، والأولويات الوطنية في حماية الأرض من جهة أخرى.
إذن فلنتعظ، أضعف الإيمان، من المستوطنين الذين يقفزون إلى قمم جبالنا ويستوطنونها لدرجة أُطلقت عليهم تسمية "فتية التلال".
No comments:
Post a Comment