الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
كانت الساعة حوالي العاشرة ليلا، عندما واجه الناشط البيئي سائد الشوملي اندر الحيوانات البرية وجها لوجه في منطقة لم يحددها في برية القدس.
في إنجاز علمي نادر ومهم على صعيد دراسة الثدييات والتنوع الحيوي في فلسطين، تمكن الباحث والخبير البيئي الأستاذ سائد الشوملي المدير التنفيذي لجمعية فلسطين للبيئية والتنمية المستدامة من تسجيل الثعلب الافغاني.
وتمكن الشوملي من توثيق وجود الثعلب الأفغاني (Vulpes cana)، المعروف أيضا باسم ثعلب بلانفورد أو الثعلب الملوكي، في مناطق متعددة من برية القدس وجبال البحر الميت، في تسجيل يعد هو الأندر على الإطلاق لهذا النوع في المنطقة.
كان هذا التوثيق النادر، بمساعدة عمر رشايدة، وهو أحد السكان المقيمين في المنطقة التي سجل فيها، والمنتسبين إلى جمعية فلسطين للبيئة والتنمية المستدامة، ويمتلك معرفة كبيرة بتضاريس برية القدس، والقدرة على التنقل خاصة في أوقات الليل.
يُعد الثعلب الأفغاني من أصغر أنواع الثعالب وأكثرها خجلا وتخفيا، ويتميز بقدرته الفائقة على التسلل والتعايش في البيئات الصحراوية الصعبة.
يقول الشوملي: ” كان من الصعب توثيقه”.
يعيش هذا النوع في المناطق الجافة وشبه الجافة الممتدة من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، ويتركز وجوده في فلسطين بشكل خاص في المناطق الوعرة والصخرية جنوب البلاد، لا سيما صحراء النقب وبرية القدس، التي تساعده تضاريسها المنحدرة على الاختباء من المفترسات.
يرتبط اسم “الثعلب الملوكي” بأسطورة قديمة مفادها أن فراء هذا الثعلب وذيله الكثيف الجميل كانا يُقدّمان كهدية للملوك وليس للطعام، ما أضفى عليه هالة من الندرة والقيمة الرمزية.
ويُعتبر فراؤه من أجمل فراء الثعالب، وهو أحد الأسباب التي جعلت صيده هدفًا في بعض المناطق.
يمتاز الثعلب بالنشاط ليلا، بشكل منفرد ونادرا ما يُشاهد في النهار.
يمتاز بقدرته الاستثنائية على تسلق الصخور والمنحدرات، وهي ميزة غير مألوفة لدى فصيلة الكلبيات، مما يمكّنه من العيش في البيئات الوعرة والتسلل بين الكهوف والشقوق الصخرية.
وقد تم توثيقه حديثًا عبر كاميرات مراقبة في مناطق عين جدي والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى أودية البحر الميت، في مؤشر واضح على استقراره في بيئته الطبيعية رغم التحديات.
يقول الشوملي: “أبحث عنه منذ ثلاثة أعوام، ومؤخرا استطعنا توثيقه واقتربت منه نحو 50 مترا تقريبا”.
يتغذى الثعلب الأفغاني على تشكيلة واسعة من الأغذية، تشمل ثمار القبار، التمر، الحشرات، السحالي، القوارض الصغيرة، وغيرها.
ويعتمد في تغذيته على ما يتوفر موسميا، مما يجعله كائنًا انتهازيًا عالي التكيف.
يُصنّف الثعلب الأفغاني من بين أندر الثدييات في فلسطين، ويواجه تهديدات متعددة أبرزها فقدان الموائل، والصيد غير القانوني، والتوسع العمراني.
ولا تزال المعلومات العلمية حول أعداده محدودة، ما يزيد من أهمية أي توثيق جديد له.
يتطلع الشوملي خلال العامين المقبلين، إلى إجراء دراسة علمية عن الحيوان، ومعرفة خارطة انتشاره في الضفة الغربية.
لكن هذا التطلع المشوق يصطدم بتخوف من وصول هواة التصوير، والطبيعة إلى أماكن تواجده وإيذائه.
يُعتبر هذا التوثيق العلمي إنجازًا مهمًا للباحثين في مجال التنوع البيولوجي، ويؤكد الحاجة إلى تكثيف الجهود البحثية لحماية هذا النوع وغيره من الكائنات النادرة في فلسطين.
كما يفتح الباب أمام مزيد من الدراسات حول سلوك وتوزيع هذا الثعلب الغامض، ويدعم الخطط الوطنية لحماية الحياة البرية.
المصدر : موقع سوسنة
No comments:
Post a Comment