نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

شبكة صبا الإعلامية

شبكة صبا الإعلامية

شركة كسابري

Friday, September 19, 2025

خرائط دقيقة ترصد زحف ملوحة البحر الميت

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands

شجرة حمضيات متأثرة بملوحة التربة في مزرعة ظبية الغزاوي، تجسد تحديات الزراعة قرب البحر الميت. حقوق الصورة:Dhubia Al-Ghazawi/ SciDev.Net


لم تعد أزمة البحر الميت انحسار مياهه فقط، بل زاد عليها خطر صامت يزحف تحته، إذ أثبتت دراسة حديثة توغُّل ملوحته إلى باطن الأرض، مهددةً المزارع والطرق الزراعية ومصادر المياه الجوفية العذبة في محيطه، مع تسجيل آثار واضحة في منطقة غور الحديثة (غور الأردن) في الجزء الجنوبي الشرقي من البحر، وهي منطقة زراعية خصبة تمتد بمحاذاة الحدود الأردنية.

كشفت النتائج أن المياه المالحة تتوغل عبر مسارات الأودية والفوالق الجيولوجية في غور الحديثة، لتصل إلى عمق يقارب 100 متر، وبامتداد يصل إلى 1.75 كيلومتر داخل طبقة المياه الجوفية الضحلة.

التوغل الأشد للملوحة ظهر في وسط غور الحديثة بمحاذاة وادي بن حماد، شمال غرب مدينة الكرك بالأردن، حيث يمتد تسرب المياه موازيًا لشريط نشط من الحفر الانهدامية التي التهمت مساحات زراعية وقطعت طرقًا، ويكشف هذا عن ارتباط مباشر بين التسرب وظهور الحفر المفاجئ على السطح.

ويُعد هذا أول توثيق دقيق لمسارات التسرب، قدمه الباحثون في دراسة نُشرت في مجلة "التقارير العلمية" في 18 أغسطس الماضي، متضمنًا خرائط جديدة أُعدت بالاعتماد على تقنية تصوير كهرومغناطيسي متطورة، تمنح صورةً أوسع لحركة المياه المالحة الخفية في باطن الأرض، فضلًا عن كونها أسرع وأقل كلفة.

يأتي هذا التوثيق في ظل أزمة ممتدة؛ إذ يتراجع منسوب البحر الميت منذ عقود بمعدل يزيد على متر سنويًّا، ما أدى إلى انحسار شاطئه وانهيار التوازن الهش بين المياه المالحة والعذبة.

يقول الباحث الرئيس في الدراسة، جعفر أبو رجب، المحاضر في قسم علوم الأرض والبيئة بالجامعة الهاشمية في الأردن: ”البحر الميت مختبر طبيعي فريد، وأي تغيُّر صغير في التوازن بين مياهه المالحة والمياه العذبة الجوفية حوله يمكن أن يؤدي إلى عواقب دراماتيكية على اليابسة“.

يؤكد أبو رجب أن ”الحفر الانهدامية -التي ظهرت نتيجة الاختلال في هذا التوازن- ابتلعت حقولًا وطرقًا، وشقت جداولُ جديدة طريقَها عبر الطين، واضطر المزارعون إلى ترك أراضيهم رغم محاولاتهم المتكررة لردم الحفر وإصلاح الأرض دون نجاح“.

ويضيف أبو رجب: ”أما وضع المياه الجوفية فما زال غامضًا، لعدم وجود بيانات رسمية دقيقة عن آبار بعينها أو نسب الملوحة فيها، غير أن المزارعين يعتمدون على آبار سطحية للري، وتظهر مؤشرات متزايدة على تملُّحها في ظل غياب المراقبة المنتظمة“.

وحتى الآن ”لا توجد بيانات دقيقة وموثقة من الجهات الرسمية الأردنية حول حجم الخسائر الزراعية أو التغير في جودة المياه الجوفية“، وفق أبو رجب، لكن الدراسات المشتركة مع بعض المؤسسات الحكومية تشير إلى أن السيطرة على هذه الظواهر شبه مستحيلة؛ نظرًا لسرعة تطورها.

وتكشف شهادات المزارعين عن الوجه الأكثر قسوةً لهذه الظاهرة على الأرض، تقول المزارعة ظبية الغزاوي، عضو الاتحاد النوعي للمزارعات المنتجات في الأردن: ”تسرب ملوحة البحر الميت رفع نسبة ملوحة التربة وأثر على مياه الآبار أيضًا، فماتت أشجارنا وتناقص المحصول، ولم تعد زراعتنا مجدية، أشجار مزرعتي لا تنمو، أوراقها صفراء، ومحصولها قليل حتى إن طعم ثمارها نفسه تغير“.

وتعكس شهادة ظبية الفجوة بين المزارعين؛ فبينما يحاول بعضهم مواجهة الأزمة بوسائل محدودة، لا يجد معظمهم بدًّا من ترك أراضيهم، ”مَن يملك قدرة مالية يحاول التخفيف بسقاية إضافية أو فحوص للتربة، لكن أغلب المزارعين اضطروا إلى ترك أراضيهم بسبب الخسائر الزراعية والمالية“.

ولم يقتصر تأثير الظاهرة على المزارع، إذ يشير أبو رجب إلى أن أضرارها امتدت شمالًا نحو منطقة الفنادق والمنتجعات على شاطئ البحر الميت، حيث تسببت الحفر والانهيارات الأرضية في تضرر الطرق والبنية التحتية، ما استدعى إصلاحات مكلفة لضمان استمرار النشاط السياحي، وسط عدم وجود بيانات رسمية دقيقة عن حجم الخسائر.

وتؤكد ظبية أن انعكاسات الملوحة انعكست أيضًا على الموسم السياحي والواقع الاجتماعي، إذ ”زادت البطالة بين الشباب وتراجعت فرص العمل والأجور، ما فاقم الأعباء المعيشية للأسر في المنطقة“.

نفذ الفريق البحثي للدراسة نحو 195 قياسًا ميدانيًّا على مساحة 12 كيلومترًا مربعًا في غور الحديثة، لينتج خرائط دقيقة لمسارات التوغل الملحي، ”ولا تقتصر أهمية هذه الخرائط على الأبحاث، بل تُعد أداة إنذار مبكر تساعد المجتمعات على تجنُّب حفر آبار في مناطق خطرة، وتوجيه مشاريع المياه إلى مواقع أكثر أمانًا، كما تتيح لصانعي القرار حماية مصادر مياه الشرب وتوجيه السياسات المائية، بدلًا من انتظار ظهور الكارثة على السطح“، وفق أبو رجب.

يعلق كارم عبد المحسن -الباحث المشارك في كلية الاستدامة بجامعة ولاية أريزونا الأمريكية- لشبكة SciDev.Net موضحًا أن الدراسة أوضحت أن المياه الجوفية الضحلة هي الأكثر تأثرًا، بينما تظل العميقة أقل تهديدًا، كما ربطت بين مسارات التوغل والبنية الجيولوجية كالفوالق، مما يكشف دورها في تسريع حركة المياه المالحة.

لكنه لفت إلى أن ”الاعتماد على القياسات الفيزيائية وحدها لرسم الخرائط يستدعي تدعيم النتائج بتحاليل كيميائية لمياه الآبار أو بطرق جيوفيزيقية إضافية لزيادة الدقة، خصوصًا في الأعماق الأكبر“.

من جانبه يشير أسامة سلام، مدير مشروعات المياه في هيئة البيئة- أبو ظبي، إلى أن نتائج الدراسة ”تساهم في دعم استدامة الزراعة والبنية التحتية عبر توفير بيانات دقيقة تحدد مناطق تداخُل المياه المالحة والعذبة، مع التوصية بحفر آبار مراقبة لتقليل المخاطر“.

يتفق الخبيران عبد المحسن وسلام على أن ما جرى توثيقه في جنوب البحر الميت يمكن أن يكون له انعكاسات أوسع في المنطقة العربية، فمناطق مثل دلتا النيل في مصر أو سواحل الخليج العربي تواجه تحديات مشابهة، حيث يؤدي الضخ المفرط وارتفاع مستوى سطح البحر بفعل التغير المناخي إلى تسريع زحف الملوحة نحو المياه الجوفية.

يقول عبد المحسن: ”استخدام منهجية الدراسة نفسها في مناطق أخرى سيساعد على تحديد النقاط الأكثر هشاشة أمام التغيرات المناخية وارتفاع مستوى البحر، وبالتالي تطوير سياسات فعالة لإدارة الموارد.“

المصدر: هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

No comments:

Post a Comment

كوزمتكس مريم دعيبس

كوزمتكس مريم دعيبس
كل ما تحتاجينه في مكان واحد

Featured Post

غزة بين الإبادة الجماعية والإبادة البيئية.. تدمير الأرض والإنسان معًا

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands حرب بيئية وإبادة في غزة: الاحتلال يحوّل الأرض الخصبة إلى صحراء قاحلة “أرض بلا شعب وشعب بلا أرض”.. هكذا يب...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????