الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
يعتمد مستقبل مراقبة المناخ وحمايته على توظيف الذكاء الاصطناعي لتمكين المواطنين وتعزيز أصواتهم وأفعالهم.
ويمنح الجمع بين الذكاء الاصطناعي والعلم المواطن فرصة فريدة لتوسيع نطاق مراقبة المناخ والعمل المناخي وتعزيز شموليتها.
تفرض السرعة المتزايدة للتغير المناخي الحاجة إلى ما هو أكثر من الحلول الفوقية والتدخلات الخبيرة؛ إذ يتطلب الأمر تجهيز المجتمعات بالتقنيات المتقدمة، إلى جانب رؤى قابلة للتنفيذ وأدوات تعاونية.
يتيح الذكاء الاصطناعي، إلى جانب العلم المواطن، فرصة فريدة لتوسيع نطاق مراقبة المناخ والعمل المناخي وتعزيزها.
وبينما يمكّن العلم المواطن من جمع ومعالجة البيانات في سياق الاستدامة، يكمل الذكاء الاصطناعي ذلك من خلال التحليل الفعال.
دمج الذكاء الاصطناعي مع العلم المواطن يحمل قوة هائلة لمواجهة تحديات الاستدامة من خلال حلول تجمع بين دقة البيانات والتحليلات التنبؤية والرصد اللحظي والذكاء البيئي المتكامل.
فيما يلي ثلاثة طرق يمكن من خلالها للعلم المواطن المدعوم بالذكاء الاصطناعي أن يعزز المبادرات المجتمعية في مجال مراقبة المناخ والعمل المناخي:
1. تحسين دقة البيانات والتنبؤات:
يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة كميات ضخمة من البيانات البيئية بسرعة، ما يرفع من جودة البيانات المجتمعية وقوتها التنبؤية.
تقليديًا، اعتمدت مشروعات العلم المواطن على جمع البيانات يدويًا وأدوات إحصائية أساسية غالبًا ما تقيدها الموارد المحدودة وعدم اتساق البيانات.
يستطيع الذكاء الاصطناعي سد هذه الفجوات من خلال أتمتة تنظيف البيانات والتحقق من المدخلات وكشف الأنماط غير الظاهرة للعين البشرية.
على سبيل المثال، تعاون مركز أبحاث المياه (WRc) مع شركة نمذجة بيانات الأمطار Rain++ وجامعة تايوان الوطنية لتدريب نماذج ذكاء اصطناعي على تحديد المؤشرات البصرية لصحة الأنهار باستخدام آلاف الصور التي التقطها أعضاء مجموعة “أصدقاء أنهار برادفورد”.
وهناك مثال آخر هو مشروع “مراقبو الأنهار”، وهو تعاون بين مؤسسة “تنظيف الأنهار” (River Cleanup) ومعهد “فيتو” (VITO) البلجيكي للأبحاث التكنولوجية، حيث يلتقط المواطنون صورًا للنفايات وتساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحديد نوع المخلفات وإضافتها إلى خريطة تفاعلية توفر نظرة شاملة على التلوث، وهي مورد ثمين لجهود التنظيف وصانعي السياسات.
وفي الهند، طوّر مختبر المسرّعات التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منصة “جيو إيه آي” الرقمية بالتعاون مع جامعة نوتنغهام لرصد بؤر التلوث الهوائي باستخدام صور الأقمار الصناعية وخوارزميات كشف الأجسام بالذكاء الاصطناعي.
وتم تدريب هذه الخوارزميات من قبل مجموعة كبيرة من العلماء المواطنين حول العالم الذين تطوعوا لإنشاء بيانات تدريبية وتحقيقية لتحسين دقتها.
وبفضل تطبيق هذه الخوارزميات على البيانات التي أعدها المواطنون، تم رصد أكثر من 47 ألف مصنع طوب عبر سهول الغانج في الهند، ما أتاح التدخل التنظيمي والحد من التلوث.
تبرز هذه الحلول كيف ينقل العلم المواطن المدعوم بالذكاء الاصطناعي المراقبة من الملاحظة التفاعلية إلى الإدارة الاستباقية، ما يمكّن المجتمعات من التدخل قبل تفاقم المشكلات البيئية.

2. تمكين الرصد اللحظي للتنوع البيولوجي والنظم البيئية:
تُحدث الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ثورة في كيفية مشاركة المواطنين في مراقبة التنوع البيولوجي.
هناك اليوم تطبيقات للهواتف المحمولة مزودة بتقنيات التعرف على الصور والأصوات مثل iNaturalist وMerlin Bird ID و”بيوم” في اليابان، تتيح للأفراد تسجيل الأنواع من الصور أو التسجيلات الصوتية.
هذه القدرة على المشاركة اللحظية تزيد من تكرار الترصّد واتساعه وتعزز موثوقية البيانات من خلال تقديم تغذية راجعة فورية والتحقق.
يستخدم تطبيق “بيوم” في اليابان خوارزميات ذكاء اصطناعي للتعرف على الأنواع ويتيح نظامًا للتحفيز باللعب، حيث يكافأ المستخدمون بنقاط عند إرسال تسجيلات أو المساعدة في التعرف، ما يعزز مجتمعًا نشطًا.
وقد جمع التطبيق أكثر من ستة ملايين سجل للتنوع البيولوجي منذ 2019، بدقة تجاوزت 95% للطيور والثدييات والزواحف والبرمائيات.
وتصب بيانات التطبيق في تخطيط جهود الحفظ وتدعم الإفصاحات البيئية للشركات.
وهناك مشاريع أخرى مثل تطبيق “ربيع الطيور المهاجرة” في فنلندا، حيث تُعرَّف أصوات الطيور المصوّرة بواسطة التطبيق ويُصنّفها نظام ذكاء اصطناعي.
يتيح هذا التفاعل المستمر والمنتشر عبر العلم المواطن إنتاج بيانات بيئية شبه لحظية تساعد في جهود الحفظ والتكيف وصياغة السياسات بوتيرة أسرع من طرق المسح التقليدية.
3- دمج بيانات متعددة المصادر لفهم شامل:
تمتلك أنظمة المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قدرة فريدة على دمج مجموعات البيانات البيئية المتنوعة، بما في ذلك ملاحظات العلم المواطن وصور الأقمار الصناعية ومخرجات أجهزة الاستشعار ونماذج الطقس.
هذا الدمج يوفر للمجتمعات، إلى جانب المقاييس الفردية، رؤى شاملة وقابلة للتنفيذ لفهم الديناميات البيئية المعقدة.
مثال بارز على ذلك هو منصة “جوجل إيرث إنجن”، وهي منصة سحابية تجمع بين البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل الصور الجغرافية وصور الأقمار الصناعية لرصد إزالة الغابات وجودة المياه والتوسع الحضري عالميًا.
يمكن للمجتمعات تحميل بياناتها المولَّدة من المواطنين ودمجها مع مدخلات الاستشعار عن بُعد، ما يسهل الأبحاث البيئية واسعة النطاق وتقييم التنوع البيولوجي وتحليل تغير المناخ.
وبالمثل، توظف مبادرة تغير المناخ التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية معالجة بالذكاء الاصطناعي لتصنيف الصور وتمكين الكشف السريع عن إزالة الغابات والفيضانات والتمدد العمراني.
وعندما تكون هذه البيانات متاحة للمجتمعات عبر أطر البيانات المفتوحة، فإنها تتيح لأصحاب المصلحة فهم التغيرات البيئية والاستجابة لها شبه لحظيًا.
مراقبة جودة المياه
في ما يتعلق بمراقبة جودة المياه، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي متعددة الأنماط دمج البيانات المجمعة من المواطنين مع أنظمة الاستشعار عن بُعد والنماذج الهيدرولوجية للتنبؤ بحوادث التلوث وتوجيه استراتيجيات التخفيف على المستوى المجتمعي.
العلم المواطن المدعوم بالذكاء الاصطناعي قد يكون تحويليًا:
يقدم تقارب الذكاء الاصطناعي والعلم المواطن للمجتمعات أدوات تحويليّة لجمع بيانات المناخ والمساعدة في تفسيرها والعمل بناءً عليها بدقة وأثر أكبر.
ومن خلال تحسين دقة البيانات وتمكين الرصد اللحظي للتنوع البيولوجي ودمج مصادر بيانات متعددة، يمكن لهذه الحلول تسهيل الإنذارات المبكرة وإثراء عملية صنع القرار والدعوة القائمة على الأدلة على المستوى القاعدي.
لم تعد هذه التقنيات تجريبية؛ بل أثبتت جدواها وقابليتها للتوسع وهي جاهزة لدعم المجتمعات عالميًا في رحلاتها نحو تعزيز القدرة على الصمود المناخي.
يعتمد مستقبل مراقبة المناخ وحمايته على توظيف الذكاء الاصطناعي لتمكين المواطنين وتعزيز أصواتهم وأفعالهم، ما يجعل هذه المجتمعات المحلية قوة عالمية لتعزيز الاستدامة.
إن تمكين المجتمعات بهذه الأدوات ليس مجرد ترقية تقنية، بل هو دعوة للمشاركة والابتكار والقيادة في حركة التصدي لتغير المناخ عالميًا.
ومع تطور العلم المواطن والذكاء الاصطناعي معًا، فإنهما يعيدان تعريف الإمكانات المتاحة لجميع المواطنين والمجتمعات، والأهم من ذلك الكوكب الذي نتشاركه جميعًا. نقلا عن موقع المستقبل الأخضر
No comments:
Post a Comment