نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

شركة كسابري للتجارة و الصناعة

شبكة صبا الإعلامية

شبكة صبا الإعلامية

Sunday, October 12, 2025

الفن تحت الركام: خالد حسين يوثّق مأساة غزة بالطين والوجع

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



في غزة، بات النزوح والقصف جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، فرضهما الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من مليوني إنسان يعيشون تحت نيران الحرب المستمرة منذ نحو عامين. كل شيء في القطاع المحاصر قابل للإبادة في لحظة؛ الأبراج الشاهقة، البيوت القديمة، المدارس، وحتى الذاكرة والثقافة والفن، تتحول إلى ركام يبتلع الوجود الفلسطيني وكأن شيئًا لم يكن.

من بين هذا الركام، تبرز قصة الفنان التشكيلي خالد حسين، ابن مدينة رفح، الذي جسّد من خلال أعماله الفنية مأساة الفلسطينيين ومعاناتهم مع النزوح اليومي. منذ بداياته عام 2015، استخدم خالد الطين والحجر والإسمنت لصناعة منحوتات تحاكي الألم الإنساني، فكانت أعماله مرآة لوجع غزة وصمودها، حتى فقدها جميعًا تحت أنقاض منزله الذي دمره القصف الإسرائيلي.

نزح خالد من منزله في رفح مع بدء العدوان، تاركًا خلفه سنوات من الإبداع والأعمال الفنية التي حلم بأن يعود إليها يومًا، لكن الاحتلال كان أسرع. فبعد الهدنة القصيرة، عاد إلى بيته ليجد كل ما صنعه قد دُفن تحت الركام. وبمساعدة الجيران، أنقذ بعض القطع، إلا أن منزل أقاربه الذي أودعها فيه قُصف لاحقًا، ففقد كل ما تبقى من أعماله مجددًا.

لم يستسلم الفنان الفلسطيني، بل استلهم من المأساة مادة جديدة لفنه. بدأ ينحت الطين المستخرج من بين الأنقاض ليصنع منه وجوهًا تحمل ملامح الخوف والتعب التي تكسو وجوه الغزيين. يقول خالد: "الطين هشّ، تمامًا كحياة الناس تحت القصف، يمكن أن يُكسر بسهولة، لكنه صادق في التعبير عن واقعهم."

يصور خالد منحوتاته بعد الانتهاء منها، لأنه يعلم أن بقاءها مستحيل، فهي هشة لا يمكن نقلها، شأنها شأن حياة النازحين الذين لا يملكون وقتًا لحمل سوى ما تبقى من أهلهم وأوراقهم الثبوتية. في بعض الأحيان، يكسر منحوتاته بيديه بعد تصويرها، كأنما يعيد تمثيل فعل الفقد الذي يتكرر في غزة كل يوم.

وفي محاولاته لمواصلة الإبداع، ابتكر طريقة جديدة للنحت على رمال شاطئ البحر، حيث يصنع مجسماته الطينية ويترك الأمواج تأخذها تدريجيًا. يرى في هذا المشهد رمزًا لحياة الغزيين التي تذروها الحرب وتبتلعها، لكنها تظل شاهدة على وجودهم.

منذ تأسيسه غاليري "كيان" عام 2015، وحتى معرضه "أفتقدك بشدة" عام 2021، ظل خالد حسين مؤمنًا بأن الفن ليس ترفًا، بل مسؤولية وطنية واجتماعية، ورسالة توثق التاريخ الفلسطيني الإنساني في وجه محاولات طمسه. فقد تناول في أعماله معاناة الشباب الذين بُترت أطرافهم خلال مسيرات العودة، وحوّل الألم إلى منحوتات تسأل: من أين يأتي الفخر رغم الفقد؟

يؤمن خالد بأن الفن يستطيع أن يقول ما تعجز عنه الكاميرات والنشرات الإخبارية. فكل قطعة طين يلمسها تحمل قصة نزوح وصوت بيت مهدّم، وكل منحوتة هي شاهد على حرب إبادة تستهدف الإنسان الفلسطيني وهويته الثقافية. في غزة، حيث لا يبقى شيء على حاله، يظل الفن آخر أشكال المقاومة، والذاكرة الأخيرة لما تبقى من الحياة.

تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.

No comments:

Post a Comment

كوزمتكس مريم دعيبس

كوزمتكس مريم دعيبس
كل ما تحتاجينه في مكان واحد

Featured Post

الأغذية المعدّلة جينيًا في الأراضي الفلسطينية والعودة للأصول البلدية

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands بعيدا عن الغش التجاري ما هو الغذاء الحقيقي؟ تقرير خاص بمجلة آفاق البيئة و التنمية  بالملاحظة السريعة والم...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????