الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
ميكروبات محتجزة في التربة الصقيعية العميقة، وهي الأرض التي تظل مجمدة لمدة لا تقل عن عامين، يمكن أن تعود إلى النشاط بعد الذوبان عندما ترتفع درجات الحرارة.
أظهرت تجارب باستخدام عينات من ألاسكا أنها تبدأ بإطلاق ثاني أكسيد الكربون خلال أشهر من الذوبان، حتى من الطبقات التي كانت تُعتقد سابقًا أنها خاملة تمامًا.
بعض هذه الكائنات الدقيقة كانت نائمة لنحو 40 ألف سنة، ركزت الدراسة على عينات مأخوذة من نفق بحثي قرب فيربانكس بألاسكا، حيث تسجل الأرض المجمدة مناخات وأنظمة بيئية قديمة.
ذوبان الميكروبات وإطلاق الكربون
قاد هذا البحث تريستان كارو، باحث ما بعد الدكتوراه في علم الأحياء الجيولوجي بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يركز بحثه على كيفية تحمل الميكروبات الخامدة لظروف التجمد وقلة الأكسجين، وكيفية عودتها للنمو النشط.
تخزن التربة الشمالية كمية ضخمة من الكربون العضوي، تقدر بضعف ما هو موجود حاليًا في الغلاف الجوي، تحرير حتى جزء صغير منها قد يزيد من الغازات الدفيئة في أوقات يكون فيها الجو دافئًا لفترات أطول.
تغطي التربة الصقيعية نحو 85٪ من ألاسكا، وهو ما يؤثر على الطرق والأنهار والنظم البيئية. لذلك يوفر النفق العميق هناك نافذة فريدة لدراسة الحياة القديمة، وتبرز أهمية النتائج بعيدًا عن ألاسكا فقط.
تتواجد معظم التربة المجمدة تحت طبقة الذوبان الصيفي وقد انقطعت عن الضوء والأكسجين لآلاف السنين، وهذا الانعزال يعني أن الحياة الدقيقة التي تستيقظ هناك تختلف عن المجتمعات السطحية.

دراسة الميكروبات بعد الذوبان
جمع الباحثون عينات من نفق تحت الأرض شمال فيربانكس وحفظوها في غرف محكمة الإغلاق قليلة الأكسجين لتجنب التلوث. وتم حضانة العينات عند 39 و54 درجة فهرنهايت لمدة تصل إلى ستة أشهر.
لتتبع تكوين أجزاء خلايا جديدة، أضاف الفريق الديوتيريوم، وهو شكل ثقيل من الهيدروجين، إلى الماء. يظهر هذا المؤشر كيف تبني الميكروبات أغشيتها الدهنية الجديدة أثناء الذوبان والاستيقاظ، كدليل مباشر على النمو.
كما استخدموا تقنية استقصاء نظائر الدهون المستقرة، وهي طريقة مختبرية تتبع الأغشية الخلوية الجديدة، ما يربط النشاط البيوكيميائي بتحولات تكوين المجتمع الميكروبي مع الوقت، ويكشف عن الكائنات التي تستجيب أولًا.
سمح وسم الهيدروجين الثقيل للفريق بفصل الخلايا النشطة عن الخلايا المتوقفة عن النمو مع مرور الأسابيع.
فضل العديد من الخلايا الجلايكوليبيدات، وهي دهون تحمل سكرًا تساعد على صلابة الأغشية في الظروف الباردة، مما يشير إلى كيفية بقائها على قيد الحياة خلال التجمد الطويل.

ما تغير بعد أشهر
كان الشهر الأول شبه ثابت، مع استبدال 0.001 إلى 0.01٪ فقط من الخلايا يوميًا. يشير هذا التأخير إلى وجود “عازل” خلال الفترات الدافئة القصيرة، خاصة في المناطق التي تعود للتجمد كل شتاء.
بحلول الشهر السادس، أعادت المجتمعات الميكروبية تنظيم نفسها، وفقدت التنوع، وكونت الأغشية الحيوية اللاصقة، وهي طبقات مخاطية تساعد الكائنات على الالتصاق معًا.
تطابقت الأنشطة مع التربة السطحية الحديثة رغم اختلاف أنواع الكائنات، مما يذكرنا بأن الوظيفة يمكن أن تستمر حتى مع تغير التركيب.
أكد الباحثون أن العينات لم تكن ميتة، بل أظهرت علامات واضحة للنشاط الميكروبي وإعادة الإحياء.
مع مرور الوقت، بدأت الميكروبات التي كانت خامدة بالذوبان وإعادة بناء مجتمعاتها وتشكيل الأغشية الحيوية المرئية، دليل على أن الحياة القديمة يمكن أن تستعيد قوتها بسرعة عندما تصبح الظروف مناسبة.
تأتي النبضات الغازية المبكرة أيضًا من فقاعات قديمة محتبسة في الجليد، وليس من التنفس الجديد للكائنات الدقيقة، وهذه التفاصيل مهمة عند قياس التدفقات الكربونية في الأسابيع الأولى بعد الذوبان.
صيف أطول وخطر أكبر
وفقًا لتقرير NOAA، تمتد المواسم في القطب الشمالي مع تسارع الاحترار مقارنةً بالمعدل العالمي. يعني موسم دافئ أطول أن الطبقات الأعمق تبقى ذائبة بما يكفي لإكمال عملية استيقاظ الميكروبات البطيئة.
مع تعمق طبقة التربة النشطة السطحية، يتسرب الأكسجين والماء إلى المناطق القديمة، ما يفتح المواد العضوية الدفينة أمام الميكروبات التي تحولها إلى ثاني أكسيد الكربون والميثان، الغازات التي تحبس الحرارة في الجو.
إذا استمر الاحترار، قد يؤدي المزيد من الذوبان إلى حلقة تغذية مرتدة خطيرة، حيث يزيد الاحترار من إنتاج غازات الاحتباس الحراري.
حذر الباحثون أن هذا يبقى من أكبر مصادر عدم اليقين في التنبؤ بتفاعل النظم المناخية مع التغيرات السريعة في القطب الشمالي.
أوضح العلماء أن يومًا حارًا واحدًا في صيف ألاسكا له تأثير أقل بكثير من امتداد الموسم الدافئ بشكل ثابت. مع امتداد الصيف إلى الربيع والخريف، يمكن أن تظل المجتمعات الميكروبية نشطة لفترة أطول، ما يسرع إطلاق الكربون.

دروس من الميكروبات المذابة
استخدمت التجربة منشأة واحدة وعددًا قليلًا من العينات، لذلك قد تختلف مناطق أخرى. تحتوي التربة الباردة في سيبيريا أو القطب الكندي على مجتمعات مميزة بوتيرة استيقاظ مختلفة.
ومع ذلك، تشير الدراسة إلى قضية توقيت حاسمة لنماذج المناخ. قد يدفع الاحترار الذي يحوّل أسابيع الخريف إلى ذوبان الميكروبات العميقة لتصبح نشطة بالكامل خلال موسم واحد.
تجارب ميدانية تتبع عمق الذوبان وتدفقات الغازات وعلامات الدهون جنبًا إلى جنب من شأنها تحسين التنبؤات للخطط القصيرة والطويلة المدى.
يريد المهندسون أيضًا خرائط أفضل للطبقات الغنية بالجليد لتخطيط الطرق والأنابيب والمباني التي تتحمل فترات الذوبان الأطول وخطر الهبوط.
ستحتاج الفرق أيضًا لفصل الفقاعات الغازية القديمة عن الانبعاثات الميكروبية الجديدة خلال المسوحات الميدانية لتجنب خلط الإشارات المختلفة.
تساعد هذه الميزة الوكالات على تقدير المخاطر قصيرة المدى لأهداف المناخ وتحديد أولويات الإنفاق على التخفيف.

No comments:
Post a Comment