نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

شركة كسابري للتجارة و الصناعة

شبكة صبا الإعلامية

شبكة صبا الإعلامية

Monday, November 24, 2025

"غزّة: الجوع كسلاح"... وثائقي فرنسي يحوّل الإبادة في غزّة إلى "كارثة طبيعية"

الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



بثّت قناة BFMTV الفرنسية في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2025 فيلمًا وثائقيًا بعنوان "غزّة: الجوع كسلاح؟" ضمن برنامجها "خطوط حمراء" المخصّص لمعالجة القضايا الحساسة. وعلى امتداد 39 دقيقة، قدّم التحقيق ما يبدو للوهلة الأولى محاولة لرصد الأزمة الإنسانية من داخل القطاع، إلا أنّ النتيجة جاءت أقرب إلى خطابٍ يعرض الكارثة ويُخفي مسبّبيها، ويروي المعاناة دون تقديم أسبابها، ويُظهر الضحايا بينما يغيب الجلّاد.

اعتمد الوثائقي على 25 مصدرًا: ثمانية فلسطينيين تحدّثوا عن تجارب شخصية وسط ظروف بالغة القسوة، مقابل خمسة عشر مصدرًا إسرائيليًا أو مؤيدًا للرواية الإسرائيلية، ظهروا في مواقع منظمة ومريحة، مثل مكاتب مضاءة وقواعد عسكرية. وقد ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو — المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية — ثلاث مرات، إلى جانب متحدثين عسكريين ومسؤولين سابقين. في المقابل، ظهر الفلسطينيون محصورين في طوابير الجوع وخرائب المستشفيات وخيام النازحين، بلا سياق سياسي ولا مساحة تتيح لهم عرض حقيقة ما يجري.

فلسطينيو غزة… صورة أحادية للجوع والفوضى

يركّز الفيلم على عرض الحياة الفلسطينية بوصفها سلسلة متواصلة من الجوع والفوضى؛ أطفال هزيلون، نساء ينتظرن الحليب، رجال يتدافعون للحصول على الطحين، ومسلحون يهاجمون شاحنات المساعدات. تعتمد الكاميرا غالبًا على اللقطات الواسعة التي تُحوّل الفلسطينيين إلى "حشود" بلا أسماء، وتغيب تمامًا الإشارة إلى الاحتلال كسبب مباشر للدمار والمجاعة.

حتى عندما تقترب الكاميرا، فإنها تُؤطّر الشخصيات الفلسطينية في مشاهد الألم فقط، بلا أي بعد سياسي أو إنساني، وكأنهم مجرد كتلة من الضحايا لا ينتمون إلى شعب ذي حقوق وقضية.

كما يتجاهل الفيلم الأسباب الحقيقية لغياب الصحافة المستقلة عن غزة، مكتفيًا بجملة مقتضبة تقول إن المصور "لم يتمكن من مرافقة الشخصيات لأسباب أمنية". يغفل الوثائقي حقيقة أن إسرائيل تمنع دخول الصحافيين الأجانب منذ بدء الحرب، رغم مطالبات أكثر من 200 مؤسسة إعلامية دولية بفتح الممرات أمامهم.

الإبادة بدون فاعل… دمار بلا مسؤول

يواصل الفيلم استخدام لغة محايدة تُذيب مسؤولية الاحتلال، مثل:

  • "دُمّرت المنازل"،

  • "تعرّضت الأحياء للخراب"،

  • "انهارت البنية التحتية".

لا يذكر الوثائقي أن هذه العمليات هي قرارات عسكرية إسرائيلية هدفها تدمير الحياة في القطاع، وهو ما أكدت عليه منظمات حقوقية إسرائيلية مثل "بيتسيلم"، التي وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية.

ولا تُذكر هوية "الفلسطيني" إلا نادرًا، وغالبًا يستبدل المصطلح بـ"غزّيين"، في محاولة لسلب الفلسطينيين هويتهم الوطنية، وحصرهم في إطار مأساة إنسانية منفصلة عن جذورها السياسية.

توجيه اللوم نحو الضحية

يركّز الوثائقي على عرض مشاهد سرقة المساعدات، مقدمًا ما يصفه بـ"انهيار النظام الداخلي"، دون الإشارة إلى الأسباب المباشرة، مثل:

  • تدمير المؤسسات الحكومية،

  • الحصار ومنع الإمدادات،

  • الإجراءات المشددة على المعابر،

  • اعتداءات المستوطنين اليمينيين على شاحنات الإغاثة.

هذه المعالجة تُحوّل التجويع المتعمّد إلى مشكلة "فوضى داخلية"، وتُبرّئ الاحتلال من سياساته التي خلقت الأزمة.

خطاب "السفاري": نزع الإنسانية عن الفلسطيني

يستشهد الفيلم بالصحافي الإسرائيلي نير حسون، الذي شبّه مشاهد توزيع الطعام بـ"إطعام حيوانات خطرة في سفاري". وبطريقة إخراجية مدروسة، تُبثّ كلماته فوق لقطات الفلسطينيين خلف الأسلاك الشائكة، لتبدو الصورة وكأنها تؤكد العنصرية الكامنة في التشبيه.

هذا الخطاب يعيد إنتاج النظرة الاستعمارية التي تُجرّد الفلسطيني من إنسانيته وتُبرّر استخدام القوة ضدّه، باعتباره "تهديدًا" يجب السيطرة عليه.

من منظور الدبابة

في أحد المشاهد، تُعرض اللقطات من داخل دبابة إسرائيلية تراقب المدنيين المتجهين للحصول على المساعدات. يظهر الناس من بعيد كنقاط صغيرة، بينما يصف الجندي إطلاق النار على المدنيين "لردعهم". المشهد يُقدّم العنف كضروروة أمنية، لا كجريمة تُرتكب ضد المدنيين.

خاتمة: مأساة بلا سياق

ينتهي الفيلم بلقطات جوية لركام غزة، بلا كلمة عن الاحتلال أو القرارات العسكرية التي قادت إلى هذا الدمار. يُقدَّم كل شيء كما لو أنه كارثة طبيعية، ليصبح الفلسطيني مجرد ضحية بلا تاريخ ولا حقوق، ويغدو الجوع مشهدًا بصريًا بدلاً من كونه نتيجة سياسة ممنهجة.

هكذا ينجح الوثائقي — بقصد أو بدون قصد — في إعادة إنتاج السردية التي تُخفي الجلّاد وتُظهر الضحية في صورة العاجز، وتحوّل الإبادة إلى أزمة إنسانية مجرّدة من سياقها السياسي والاستعماري.

No comments:

Post a Comment

كوزمتكس مريم دعيبس

كوزمتكس مريم دعيبس
كل ما تحتاجينه في مكان واحد

Featured Post

ميكروبات عالقة في الجليد منذ 40 ألف سنة تستيقظ وتعيد إطلاق الكربون

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands ميكروبات محتجزة في التربة الصقيعية العميقة، وهي الأرض التي تظل مجمدة لمدة لا تقل عن عامين، يمكن أن تعود إ...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????