الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
في جبال الخليل وصحراء النقب، عُثر على مجموعة نادرة من الأقنعة الحجرية يعود تاريخها إلى أكثر من تسعة آلاف عام، وهي من أقدم الأقنعة المعروفة في العالم. ورغم أنها مصنوعة من الحجر، إلا أن وزنها خفيف، مما يشير إلى أنها صُممت للاستخدام، وربما ارتبطت بطقوس دينية أو اجتماعية في تلك المجتمعات الزراعية المبكرة.
تم اكتشاف هذه الأقنعة إلى جانب مكتشفات أخرى في كهف نقب الحمار قرب البحر الميت وفي جنوب الخليل. ويعتقد الباحثون أن صانعي هذه الأقنعة كانوا من أوائل المزارعين الذين غيّروا نمط حياتهم بعد التخلي عن الصيد، ما دفعهم لصنع تماثيل وصور حجرية تمثل أسلافهم، في فترة شهدت بدايات نشوء الدين المنظم.
إحدى الدراسات التي فحصت 15 قناعًا حجريًا تشير إلى أن العديد منها يشبه وجوه الموتى، ما يعزز الفرضية بأن هذه الأقنعة تمثل شخصيات حقيقية من الأسلاف. وكانت صور الأسلاف تُعد رمزًا للعائلات للدفاع عن حقوقها في الأراضي الزراعية، في زمن لم تكن فيه الكتابة معروفة، فكان الارتباط بالأب والجدّ هو الدليل الوحيد على ملكية الأرض.
وفي عام 1983، اكتشف باحثون كهفًا في صحراء النقب الجنوبية يحتوي على آلاف الأدوات المرتبطة بعبادة الأسلاف، من بينها سلال منسوجة وخرز خشبي وسكاكين صوانية وأقمشة مطرزة. كما وُجدت أجزاء من أقنعة حجرية وجدائل شعر محفوظة بفعل المناخ الجاف، ما يشير إلى أن الأقنعة كانت تُلبس فعلًا وربما أُضيف إليها شعر طبيعي.
تظهر دراسات القياسات أن الأقنعة تتناسب مع حجم الوجه البشري، مع فتحات للعينين وأخرى على الأطراف لربطها بحبال. كما تشبه ملامحها جماجم بشرية، وقد يكون بعضها نُحت مباشرة فوق جماجم رجال كبار في السن. ورغم وزنها الذي يتراوح بين 1 و2 كيلوغرام، تُعد خفيفة مقارنة بالأقنعة الثقيلة المستخدمة في الطقوس الحديثة في بعض المجتمعات الإفريقية.
يشير العلماء إلى أن هذه الأقنعة ربما كانت من أهم المقتنيات الطقسية في ذلك العصر، نظرًا للوقت والمهارة المبذولة في نحتها. ومع فقدان العديد من القطع في السوق السوداء للآثار خلال العقود الماضية، تزداد أهمية المكتشفات المحفوظة في المتاحف التي تخضع لفحوص علمية تؤكد أصالتها.
ومن المتوقع أن يصدر متحف إسرائيل قريبًا كتابًا حول هذه اللقى الأثرية تحت عنوان "أقدم الأقنعة في العالم". وسيقدّم الكتاب فهمًا أعمق للحياة الروحية والفنية للمجتمعات التي عاشت في المنطقة قبل تسعة آلاف عام، والتي ما زالت أسرارها تُكشف قطعةً بعد أخرى.


No comments:
Post a Comment