الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
تؤثر الصراعات المسلحة والأنشطة العسكرية تأثيراً بعيد المدى على البيئة والمناخ. فالحروب العسكرية تترك "بصمة كربونية" كبيرة على الكوكب، ابتداء من حرق آبار النفط في مناطق الحرب وانتهاء بالوقود الذي تستهلكه الطائرات المقاتلة وسائر الآليات الحربية. ومع ذلك، غالباً ما تم تجاهل هذه الانبعاثات المرتبطة بالجيوش في المحاسبة المناخية؛ فلا يُطلب من البلدان الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية في إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، ما يعني أن مصدراً مهما وكبيرا من غازات الدفيئة يبقى مخفيا. التحليلات الحديثة تشير إلى أن الجيوش في العالم مجتمعة تنتج حوالي 5.5% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، ما يصنف القطاع العسكري كرابع أكبر مصدر للانبعاثات بافتراض أنه يشكل كيانا قائما بذاته. هذه النسبة أكبر من إجمالي الانبعاثات الوطنية لروسيا أو اليابان؛ فالحرب والعسكرة ليست مجرد قضايا إنسانية أو جيوسياسية، بل هي أيضا، كما تؤكد الأرقام، قضايا مناخية.
هذا المقال التحليلي يفحص التأثير التاريخي والحالي للحروب على المناخ (من فيتنام والعراق إلى أفغانستان وأوكرانيا وغزة)، ودور صناعات الأسلحة والجيش في تغير المناخ، وكيف تقارن الانبعاثات العسكرية بالقطاعات الأخرى مثل الطيران المدني أو السيارات، وحجم الإنفاق العسكري العالمي- من ينتج ومن يشتري الأسلحة من مختلف الأنواع- كل ذلك معزز بالبحوث العلمية والسياسية الحديثة. والهدف هو تقديم نظرة عامة تحليلية مفهومة حول كيف تؤثر آلة الحرب على مناخنا العالمي، ولماذا معالجة الانبعاثات العسكرية أمر بالغ الأهمية للعمل المناخي.

الجسر الجوي الحربي الأميركي لإسرائيل
مجزرة الإنسان والمناخ في غزة
كان للعدوان الدموي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة (أكتوبر 2023 - 2025) أثر إنساني مدمر غير مسبوق في التاريخ المعاصر، من حيث حجم التوحش والمذابح البشرية الجماعية والتجويع المتعمد والمنظم للملايين، وهو أيضاً يحمل تكلفة مناخية باهظة. دراسة حديثة للأشهر الخمسة عشر الأولى من الحرب وجدت أن البصمة الكربونية لتدمير قطاع غزة وإعادة إعمارها اللاحقة يمكن أن تتجاوز 31 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. في الواقع، تأثير الحرب على المناخ أكبر من الانبعاثات السنوية لـ 100 دولة فردية (العديد من الدول الصغيرة تنبعث منها أقل من 30 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً).
بالنسبة لمنطقة صغيرة نسبياً (نحو 365 كم2) وكثيفة السكان (2.4 مليون نسمة)، هذا رقم مرعب. أكثر من 99% من الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالحرب أُسنِد إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية: القصف الجوي المكثف على مدار الساعة والمدفعية والدبابات والطاقة المستخدمة لتعبئة قوات الاحتلال. في الأيام الـ 120 الأولى وحدها، أصدرت الهجمات الجوية والأرضية الإسرائيلية ثاني أكسيد الكربون أكثر من الانبعاثات السنوية لـ 26 دولة. الانبعاثات طويلة المدى من تطهير ملايين الأطنان من الركام وإعادة بناء المساكن والمشافي وبنية الطاقة والمياه في قطاع غزة ستفوق الانبعاثات الفورية من القنابل والقذائف والصواريخ ووقود الديزل.
يقدر الباحثون أن مرحلة إعادة الإعمار في قطاع غزة سترفع إجمالي البصمة الكربونية للحرب إلى نحو 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بالمقارنة مع الانبعاثات السنوية لدول مثل السويد أو البرتغال. هذه النتائج، رغم كونها أولية، كانت خطيرة بما يكفي لتتناولها صحيفة الغارديان وآخرون كإنذار بأن الحرب الحضرية الحديثة لها تداعيات مناخية كبيرة. من المهم هنا ملاحظة أنه بينما ثاني أكسيد الكربون لا يشكل الاهتمام الأكثر إلحاحاً وسط كارثة إنسانية تتجسد في إبادة جماعية لمجتمع بشري كامل، فإن هذه الانبعاثات تمثل ضرراً طويل الأمد يمتد إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة. فتحويل مدينة كثيفة السكان إلى 26 مليون طن من الحطام (كما حدث في غزة) يطلق الغبار والملوثات ويتطلب طاقة هائلة للتعافي منها.
وبصرف النظر عن حجم المذابح البشرية المرعبة وغير المسبوقة، كشفت دراسة الغارديان عن نفاق العديد من الحكومات الغربية التي تزعم تحليها بالأخلاق بشأن مخاطر تدمير المناخ ومسؤولية كل دولة عن حماية الكوكب، في الوقت الذي تمول فيه وتساعد وتُمَكِّن العدوان الدموي الكارثي لدولة إسرائيل وآثاره على المتضررين من تغير المناخ الحالي والمستقبلي.
وبالعودة إلى الوراء، قبل العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، فإن الحروب التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، فضلا عن المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية العدوانية اليومية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب في فلسطين ولبنان وسوريا وغيرها، تسببت في انبعاث مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وسائر غازات الدفيئة. وتعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية العدوانية، تلك الكمية الناتجة عن تسيير عشرات ملايين السيارات في شوارع فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي.
ومنذ عام 2000 حين اندلعت انتفاضة الأقصى الفلسطينية، مرورا بحرب تموز 2006 ضد لبنان، وانتهاءً بالحروب الدموية الشاملة على قطاع غزة (أي حروب ما قبل العدوان الأخير: 2008-2009، 2012، 2014 و2021)، وكذلك العمليات والتحركات العسكرية اليومية المكثفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ منذئذ تقدر كميات الوقود الأحفوري التي استهلكتها الآليات والمعدات والطائرات العسكرية الإسرائيلية بمئات مليارات اللترات. ويمكننا القول إن كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق هذه الكمية الضخمة من الوقود تقدر بعشرات ملايين الأطنان. هذا دون الحديث عن النشاطات العسكرية التي نفذتها، والحروب التي خاضتها إسرائيل في العقود السابقة لانتفاضة الأقصى.

الاستخدام الأميركي الواسع لمزيلات الأوراق الكيميائية مثل العامل البرتقالي- agent orange- لتدمير الغطاء الحرجي، بهدف كشف مواقع الثوار وتسهيل ملاحقتهم أثناء الحرب الأميركية ضد فيتنام
التأثير المناخي للحروب: الصراعات التاريخية والحالية
يمكن للحروب أن تؤثر بشكل كبير على النظام المناخي من خلال الانبعاثات المباشرة (احتراق الوقود والحرائق والانفجارات) والآثار طويلة المدى (تدمير النظم البيئية وإعادة الإعمار). تاريخياً، كثيراً ما أحدثت الحروب دماراً بيئياً- على سبيل المثال، شهدت الحرب الأميركية ضد فيتنام (1955-1975) استخداما أميركيا واسعاً لمزيلات الأوراق الكيميائية مثل العامل البرتقالي (agent orange) لتدمير الغطاء الحرجي، بهدف كشف مواقع الثوار وتسهيل ملاحقتهم. يُقدر أن نحو 44% من غابات فيتنام دُمرت بهذه التكتيكات العسكرية الهمجية. خسارة هذا الغطاء النباتي الضخم أدى إلى إطلاق كميات هائلة من الكربون المخزن في الغلاف الجوي ودمر النظم البيئية. غالباً ما يُستشهد بحرب فيتنام كعمل من أعمال "الإبادة البيئية" بسبب التدمير البيئي المتعمد الذي تسببت فيه. حتى بعد عقود طويلة، لم تتعاف الغابات والحياة البرية الفيتنامية بالكامل، ما يوضح أن لإزالة الغابات أثناء الحروب تأثيرات ممتدة ودائمة على المناخ والتنوع البيولوجي.
تستمر الحروب الحديثة في توليد انبعاثات غازات دفيئة هائلة. مثال صارخ على ذلك هو حرب الخليج ضد العراق عام 1991، والتي شارك بها نحو ثلاثين دولة. فعندما انسحبت القوات العراقية من الكويت، أشعلت النار في أكثر من 600 بئر نفط، ما تسبب في انبعاث السُخام وثاني أكسيد الكربون (من هذه الحرائق) في السماء لأشهر. يقدر العلماء أن حرائق النفط الكويتية وحدها مثلت 2-3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من الوقود الأحفوري في عام 1991. كانت مساهمة تلك الحرب في الانبعاثات العالمية غير متناسبة- تعادل تقريباً الإنتاج الكربوني السنوي لدولة صناعية متوسطة الحجم. إذ انتشر السخام من حرق النفط حتى آلاف الكيلومترات، فتسبب في ظلمة السماء وساهم في سرعة ذوبان الأنهار الجليدية البعيدة مثل الهيمالايا، بسبب ترسب الكربون الأسود. وبعيداً عن انبعاثات الكربون، تسببت حرائق حرب الخليج في تبريد إقليمي تحت سحب الدخان وتلوث الهواء على نطاق واسع.
وبالمثل، خلال الحرب الأميركية ضد العراق عام 2003 والصراع اللاحق، أدت العمليات العسكرية إلى حرق واسع للوقود وتخريب أنابيب النفط. في العراق، كما في دول أخرى ممزقة بالحروب، فاقم الصراع من حرق الغاز (حرق الغاز الطبيعي الزائد) عندما تضررت المصافي والبنية التحتية. إسقاط القوى الأميركية والأطلسية للأنظمة العربية الحاكمة في بلدان مثل العراق وليبيا تبعه زيادة كبيرة في عمليات الحرق، حيث ساهمت هذه الدول المتضررة من الصراعات بنسبة 15% من انبعاثات الحرق العالمي في عام 2020. بعبارة أخرى، الحروب تفاقم الممارسات شديدة التلويث (مثل الحرق) التي ترفع الانبعاثات الوطنية إلى ما هو أبعد بكثير من مستويات وقت السلم.

انبعاثات ضخمة ناتجة عن الحرب الأميركية ضد العراق
كان لعدة صراعات في التسعينيات أيضاً آثار بيئية ملحوظة؛ فخلال الحرب البوسنية والصراعات اليوغوسلافية الأوسع (التسعينيات)، تضررت المرافق الصناعية ومستودعات تخزين النفط بالقصف، ما أدى إلى إطلاق الملوثات. وعلى سبيل المثال، في حادثة واحدة عام 1999 (خلال صراع كوسوفو)، تسببت غارات الناتو الجوية على مصنع للبتروكيماويات في صربيا في إطلاق مواد كيميائية سامة هائلة وحرائق- كارثة بيئية، وإن كانت محلية في تأثيرها. وبالمثل كان للحرب الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006 أثر بيئي؛ إذ استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية محطة الكهرباء الساحلية في الجية، ما تسبب في تسرب حوالي 15,000 طن من الوقود الثقيل في البحر المتوسط. تسرب النفط يضر في المقام الأول النظم البيئية (يغطي الشواطئ والحياة البحرية)، كما أن التنظيف وحرق بعض النفط تسبب في انبعاثات غازات دفيئة بكميات غير محددة. توضح هذه الأمثلة أنه حتى عندما تكون الحروب محدودة جغرافياً، يمكن أن تنتج تلوثاً شديداً وإطلاق الكربون في مسارح عملياتها.
تسلط حروب ما بعد 11 سبتمبر (2001) الضوء أكثر على التكاليف المناخية للصراعات؛ فحرب أفغانستان (2001-2021) وحرب العراق (2003-2011) شملت عمليات عسكرية أميركية طويلة مع استهلاك هائل للوقود للعمليات الجوية والمركبات الأرضية واللوجستيات. وفقاً لتحليل جامعة براون "تكاليف الحرب"، أصدر الجيش الأميركي حوالي 1.2 مليار طن متري من غازات الدفيئة من 2001 إلى 2017 في سياق ما أسماه "حربه العالمية على الإرهاب"؛ علما أن أكثر من 400 مليون طن متري من هذه الانبعاثات كانت منسوبة مباشرة إلى استخدام الوقود المرتبط بالحرب أثناء العمليات في أفغانستان والعراق ومناطق القتال الأخرى. ولوضع هذا المُعطى في السياق، 400 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون تعادل تقريباً إجمالي الانبعاثات السنوية لدولة مثل أستراليا.
تطلبت العمليات الأميركية في أفغانستان غالباً مولدات الديزل للنقاط النائية وخطوط إمداد طويلة من قوافل الوقود، ما جعلها حرباً كثيفة الكربون للغاية. استهلاك الطائرات العسكرية الأميركية للوقود الأحفوري ضخم جدا؛ فوقود الطائرات للضربات الجوية ونقل الجنود والطائرات بدون طيار تسبب في الجزء الأكبر من حرق الوقود الحربي للبنتاغون. كما تم توثيق الاجتثاث الأميركي الواسع للغابات في أفغانستان لأغراض عسكرية. علاوة على أن سنوات الصراع الطويلة والنزوح السكاني الكبير، أدى إلى قطع واسع للغابات لأغراض الوقود والدخل، ما ساهم في تدهور الأراضي.

تدمير أميركي هائل للبيئة والمناخ في أفغانستان
دراسة للنباتات الأفغانية عبر صور الأقمار الصناعية أكدت أن الصراع المسلح عطل استخدام الأراضي، بل أدى إلى التعافي البيئي المحلي في بعض المناطق حيث نزح الناس، بينما شهدت مناطق أخرى إزالة الغابات وانهيار الزراعة. وبشكل عام، ضغطت الحرب بقوة على الموارد الطبيعية والحكم المطلوبين للحماية البيئية.
في السنوات الأخيرة، أوضحت الحرب الروسية-الأوكرانية (مستمرة منذ 2022) والحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة (2023-2025) التأثير المناخي الرهيب للصراعات الحديثة. الحرب في أوكرانيا، وهي صراع صناعي عالي الكثافة، تنبعث منها كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون. يقدر المحللون أن الأشهر الاثني عشر الأولى من الحرب الروسية-الأوكرانية (فبراير 2022 - فبراير 2023) أدت إلى حوالي 120 مليون طن متري من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون؛ ما يعادل تقريبا غازات الدفيئة التي تنبعث من بلجيكا خلال عام كامل. يشمل هذا الحساب الانبعاثات المباشرة من القتال النشط (الدبابات والانفجارات والطائرات)، والانبعاثات غير المباشرة مثل الحرائق وتدمير البنية التحتية، والانبعاثات الوشيكة من إعادة بناء المدن المتضررة.
والمثير للدهشة أن إعادة إعمار البنية التحتية المدنية في أوكرانيا من المتوقع أن تمثل ما يقارب نصف إجمالي البصمة الكربونية للحرب، إذ أن كل مبنى يُدمر ويصبح ركاماً سيُعاد بناؤه في النهاية بالإسمنت والصلب والطاقة- وهي عملية كثيفة الكربون جداً. كما أن حوالي 20% فقط من انبعاثات الحرب جاءت من العمليات العسكرية اليومية؛ الباقي سيأتي من أنشطة "ما بعد الحرب" للتعافي. وبالمثل، تسبب الصراع في حرائق غابات ضخمة وأضرار بيئية في أوكرانيا- بعضها متعمد (تكتيكات الأرض المحروقة) وبعضها كأضرار جانبية- ما أطلق الكربون المخزن في تلك الغابات. في المجمل، كلما طالت مدة الحرب، زادت بصمتها الكربونية، ما قد يقوض الأهداف المناخية حتى بينما تسعى أوروبا لخفض الانبعاثات.
الحرب، في جوهرها، متشابكة بعمق مع الدمار البيئي: حرق المدن ومرافق النفط يضخ غازات الدفيئة، وانهيار الحكم في مناطق الحرب غالباً ما يؤدي إلى الاستخدام غير المستدام للموارد (مثل إزالة المساحات الخضراء والغابات للحطب في سوريا واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغزة أثناء الصراعات).
بعيداً عن انبعاثات الكربون، تحمل بعض التكتيكات العسكرية مخاطر مناخية إضافية. استخدام استراتيجيات الأرض المحروقة (كما فعل الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة) - حرق المحاصيل والغابات أو البنية التحتية النفطية عمداً - لا يصدر ثاني أكسيد الكربون فحسب، بل يمكن أن يغير التغذية الراجعة المناخية المحلية (على سبيل المثال، فقدان المساحات الخضراء والغابات يقلل هطول الأمطار وعزل الكربون).
خلال صراع أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباخ (2020)، ذُكر أن مساحات شاسعة من الغابات أُحرقت لحرمان العدو من الغطاء. في الصراعات في سوريا والعراق، أشعلت القوات المنسحبة آبار النفط أو خربت مصافي النفط، ما تسبب في سحب الدخان الأسود التي تضر بالصحة وتودع الكربون الأسود على الجليد والثلج بعيداً.

الولايات المتحدة الأميركية أكبر مصدر للأسلحة في العالم
في الملخص، ساهمت الحروب الماضية والحاضرة بشكل كبير في تغير المناخ بطرق متعددة. تأتي الانبعاثات المرتبطة بالصراع من استخدام الوقود العسكري (الدبابات والطائرات النفاثة والسفن الحربية)، والتدمير المتعمد للبنية التحتية الثقيلة الكربون (آبار النفط والمواقع الصناعية)، والحرائق والانفجارات غير المنضبطة، وازدهار إعادة الإعمار الذي يتبع في أعقاب الحرب (والذي يتطلب الإسمنت والصلب والطاقة). إزالة الغابات وفقدان الموائل المدفوعة بالحرب تحول أيضا مستودعات الكربون إلى مصادر كربون. تاريخياً، يمكن لحرب واحدة أن تتسبب في تقهقر الظروف البيئية لعقود قادمة - كما رأينا مع غابات فيتنام - والحروب المعاصرة يمكن أن تنبعث منها ثاني أكسيد الكربون بقدر ما تفعله بلدان بأكملها في سنة أو أكثر. علماء المناخ وباحثو الصراع يشيرون بشكل متزايد إلى أن التكاليف البيئية للحرب "يتم تجاهلها إلى حد كبير"، علما أن عواقبها هائلة. الاعتراف بهذا الواقع يعتبر الخطوة الأولى للتخفيف؛ فإذا أردنا تحقيق الأهداف المناخية العالمية، يجب مواجهة الانبعاثات من الحرب والعسكرة جنباً إلى جنب مع مصادر الانبعاثات الرئيسية الأخرى.

انبعاثات ضخمة من ترسانة الطيران الحربي الإسرائيلي- هآرتس
الانبعاثات من الجيوش وصناعة الأسلحة
حتى في غياب الحرب النشطة، تساهم العمليات الروتينية لجيوش العالم وإنتاج الأسلحة نفسها مساهمة رئيسية في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. الجيوش الحديثة هي مؤسسات شاسعة وجائعة للطاقة، تشغل أساطيل من المركبات كثيفة الوقود (من الطائرات المقاتلة والسفن البحرية إلى الدبابات والشاحنات)، وتحافظ على قواعد ومرافق ضخمة، وتشتري معدات كثيفة الطاقة - كل ذلك يؤدي إلى بصمة كربونية كبيرة. قدرت دراسة رائدة في عام 2022 من قبل مرصد الصراع والبيئة (CEOBS) وعلماء من أجل المسؤولية العالمية، أن إجمالي البصمة الكربونية للنشاط العسكري العالمي هو حوالي 2.8 جيجاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أو حوالي 5.5% من الانبعاثات العالمية.
للسياق، 5.5% من الانبعاثات العالمية أكثر من إجمالي الانبعاثات السنوية لمعظم البلدان باستثناء الصين والولايات المتحدة والهند. العسكرة في جميع أنحاء العالم تنبعث منها غازات دفيئة أكثر من الطيران المدني والشحن مجتمعين، أو أكثر من كل دولة باستثناء حفنة منها. الجيش الأميركي هو إلى حد بعيد أكبر مُنتِج واحد للانبعاثات بين الجيوش. وكما لاحظ أحد الباحثين، لو افترضنا أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) دولة، فإن انبعاثاتها (حوالي 59 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون في 2017) ستصنفها في المرتبة 55 تقريباً في العالم، على قدم المساواة مع دول مثل السويد أو البرتغال. في عام 2017 وحده، أنتج البنتاغون 59 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وإلى حد كبير من تزويد طائراته وسفنه وقواعده بالوقود.
الجيش الأميركي هو أكبر مستهلك مؤسسي واحد للبترول في العالم. إحدى الدراسات وجدت أنه كان يحرق حوالي 270,000 برميل من النفط يومياً في المتوسط، أي أكثر من إجمالي الاستهلاك الوطني لبعض البلدان متوسطة الحجم. هذا الاستخدام المكثف للطاقة ليس فقط للعمليات القتالية، بل أيضاً للتدريبات ونقل الجنود والحفاظ على جهوزية البنية التحتية الضخمة المكونة من أكثر من 700 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم.
تساهم الجيوش الأخرى أيضا في الانبعاثات بشكل كبير. الإنفاق العسكري المشترك لحلف الناتو ينافس الولايات المتحدة، وقوات الناتو مجتمعة تنبعث منها كميات هائلة من غازات الدفيئة (رغم أن البيانات الدقيقة نادرة بسبب السرية). على سبيل المثال، القوات المسلحة لدول الاتحاد الأوروبي هي ثاني أكبر القوات في العالم من حيث الإنفاق، لكنها غالباً لا تبلغ بالكامل عن انبعاثاتها، بذريعة الأمن القومي. أما الانبعاثات العسكرية البريطانية (عند تضمين سلسلة التوريد وتصنيع المعدات) فقُدرت بأعلى ثلاث مرات على الأقل من المبلغ عنه رسمياً. مثل هذا التقرير الناقص شائع؛ إذ أن العديد من البلدان تحسب فقط الوقود المحروق بالمركبات والقواعد، مستبعدة الانبعاثات من صنع الأسلحة ومن عمليات الصراع.
ثقافة الإعفاء العسكري تعني أن هذه الانبعاثات "تختفي تحت الرادار". والجدير بالذكر أن الانبعاثات العسكرية استُثنيت صراحة من أهداف التخفيض في بروتوكول كيوتو (عام 1997)، ورغم أن اتفاقية باريس (2015) أزالت ذلك الإعفاء الرسمي، يبقى التقرير طوعياً. نتيجة لذلك، تمتعت الجيوش، كما يقال، بـ "شيك على بياض" للتلويث، حتى بينما تواجه القطاعات الأخرى ضغطاً لإزالة الكربون. يسمي المحللون البيئيون هذا "فجوة الانبعاثات العسكرية"، والحملات جارية لسدها بالمطالبة بالشفافية وبالتزامات التخفيض من قطاعات الدفاع أيضا.

تضخم الصناعات العسكرية الإسرائيلية
يأتي مكون رئيسي من الانبعاثات العسكرية من صناعة الأسلحة وسلسلة التوريد أساساً، أي الانبعاثات غير المباشرة للجيوش. بناء الأسلحة والمعدات العسكرية عملية كثيفة الطاقة والكربون، من حيث الاستهلاك الضخم للصلب والألمنيوم في السفن الحربية والدبابات والمواد الكيميائية المتخصصة في المتفجرات، والتصنيع عالي التقنية للطائرات النفاثة والصواريخ. كل هذا النشاط الصناعي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون. في عام 2023، كان لدى أكبر 100 شركة منتجة للأسلحة في العالم مبيعات أسلحة مشتركة بقيمة 632 مليار دولار، وهي زيادة مدفوعة جزئياً بالحروب وارتفاع ميزانيات الدفاع. هذه الشركات، مثل الشركات الأميركية لوكهيد مارتن وبوينغ ورَيثيون، وشركة NORINCO الصينية وAlmaz-Antey الروسية..إلخ.، تدير مصانع وشبكات لوجستية ضخمة، وكل دولار من الإنتاج له تكلفة كربونية.
على سبيل المثال، لإنتاج طائرات مقاتلة متطورة أو مركبات مدرعة يتطلب صهر وتشكيل المعادن والمعالجة الدقيقة والشحن العالمي للمكونات- وهي عمليات مدعومة في الغالب بالوقود الأحفوري. وبهذا الخصوص، من المثير إبراز إحصائية مذهلة حول الطائرة المقاتلة F-35 الحديثة، حيث تستهلك حوالي 5,600 لتر من الوقود في الساعة الواحدة من الطيران. انبعاثات الكربون لمثل هذه الطائرة في ساعة واحدة نحو 14 طن من ثاني أكسيد الكربون، تعادل الانبعاثات السنوية لسيارة متوسطة تُقاد لأكثر من 10 سنوات. تحافظ الجيوش أيضاً على تدريبات واسعة؛ فعندما تتدرب أسراب المقاتلات أو تجري البحرية مناورات، تحرق كميات هائلة من الوقود دون خوض حرب. وفي المجمل، الأنشطة العسكرية الروتينية في وقت السلم كثيفة الكربون جداً. تقرير "ساينتفيك أميركان" لاحظ أن الانبعاثات العسكرية الأميركية في عام 2019 (سنة سلمية نسبياً) كانت تعادل تقريباً إجمالي الانبعاثات السنوية لدول مثل السويد أو النرويج، ما يؤكد أنه حتى دون صراع نشط، فإن "الأعمال كالمعتاد" للعسكرة عبء مناخي كبير.
والأهم من ذلك، الانبعاثات العسكرية ليست فقط من الوقود. النظرة الشاملة تشمل انبعاثات دورة الحياة: تصنيع الأسلحة، وسلاسل التوريد لقطع الغيار، وبناء القواعد والإسكان للجنود، وحتى إيقاف تشغيل المعدات القديمة. العديد من هذه الأمور تقع تحت انبعاثات النطاق 3 (الانبعاثات غير المباشرة) التي غالباً لا تحسبها الجيوش. على سبيل المثال، إنتاج مدمرة بحرية أو أسطول من الشاحنات العسكرية يدمج الكربون في الصلب والخرسانة. وفقاً للباحثين، إذا أخذ المرء في الاعتبار صناعة الأسلحة العالمية وسلاسل التوريد العسكرية، فإن البصمة الكربونية الحقيقية للجيوش أعلى بكثير مما تشير إليه بيانات استخدام الطاقة الرسمية. وبهذا الخصوص، وجد تحليل من وزارة الدفاع البريطانية أن حوالي 30% فقط من انبعاثات القوات المسلحة البريطانية جاءت من استخدام الوقود؛ بينما جاء الباقي من الشراء وسلسلة التوريد؛ لكن تلك لم يتم الإبلاغ عنها إلى حد كبير. أنماط مماثلة يمكننا تعميمها على بلدان أخرى.
الدافع لمزيد من الأجهزة العسكرية، استجابة للتوترات العالمية، يمكن أن "يخبز" بالتالي انبعاثات مستقبلية كبيرة. تقرير استقصائي عام 2022 حذر من أن الموجة الجديدة من إعادة التسلح (مثل دول الناتو التي تعزز ميزانيات الدفاع) يمكن أن ترفع الانبعاثات العسكرية بـ 200 مليون طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون سنوياً إذا لم تعتمد الجيوش "تقنيات نظيفة". هذا سيكون مثل إضافة دولة أخرى بحجم فيتنام أو إسبانيا لقائمة الانبعاثات في العالم، وذلك فقط من التراكم العسكري. في الجوهر، السلام المسلح الثقيل يمكن أن يظل سلاماً قذراً للمناخ.
رغم هذه الأرقام المقلقة، هناك بعض الجهود داخل قطاع الدفاع لكبح الانبعاثات؛ إذ أن بعض الجيوش جربت الوقود الحيوي في الطائرات والسفن، ونشرت الخلايا الشمسية في القواعد النائية، أو استثمرت في كفاءة الطاقة للمنشآت. على سبيل المثال، اختبرت البحرية الأميركية تشغيل السفن على خلائط الوقود الحيوي، كما استخدم الجيش الأميركي المصفوفات الشمسية لتقليل استخدام مولدات الديزل في أفغانستان. تُظهر هذه المبادرات أنه من الممكن تقليل "البصمة" الكربونية العسكرية من خلال تعديلات تقنية بسيطة وغير مكلفة. بدأ الناتو أيضاً في مناقشة الأهداف المناخية؛ فأعلن عن طموح قواته في الوصول إلى صافي انبعاثات صفر بحلول 2050، ما يعكس التعهدات الوطنية.

ملايين الفيتناميين ما زالوا يعانون حتى يومنا هذا من الولادات المشوهة والسرطانات بسبب الأسلحة الكيميائية التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد الشعب الفيتنامي أثناء الثورة
ومع ذلك، ينتقد النقاد أنه في غياب خطط ملموسة ومحاسبة شفافة، تغدو مثل هذه التعهدات مجرد غسيل أخضر. في الوقت الحالي، السخرية المؤسفة أن العديد من الجيوش تستعد للاستجابة للأزمات المناخية (مهام إغاثة الكوارث، والصراعات حول الموارد) بينما تستمر في المساهمة بشكل كبير في مشكلة المناخ نفسها. فجوة الانبعاثات العسكرية تبقى قضية عدالة مناخية: المجتمعات والدول المتأثرة بتغير المناخ تتحمل التكاليف، بينما المصدرون العسكريون لا يُحاسبون تحت الاتفاقيات الدولية.
ربما الأمر المشجع أن الضغط يتزايد من العلماء والمنظمات غير الحكومية وبعض صانعي السياسات لتغيير هذا الواقع. ففي عام 2021، طلبت بعض المنظمات من الأمم المتحدة إغلاق ثغرة التقرير للانبعاثات العسكرية، قائلة إن الطوارئ المناخية "لا يمكنها أن تتحمل إغفال" هذا القطاع. وكما تُظهر البيانات، أي مسار واقعي لمواجهة الاحترار العالمي يتطلب نزع السلاح من نهجنا الأمني، أو على الأقل إزالة الكربون من الجيوش وصناعة الأسلحة بأسرع ما يمكن.
مقارنة الانبعاثات الكربونية العسكرية بالقطاعات الأخرى
كيف تتجلى الانبعاثات العسكرية والمرتبطة بالحرب مقابل مصادر أخرى لغازات الدفيئة؟ الجواب: حجم الانبعاثات العسكرية ضخم ومثير. ولوضع الأمور في السياق، نورد أدناه مقارنة للانبعاثات السنوية المقدرة من الجيوش مقابل بعض القطاعات أو الأنشطة المدنية:
مقارنة الانبعاثات الكربونية العسكرية مع مصادر مختلفة
مصدر الانبعاثات | الانبعاثات السنوية المقدرة من ثاني أكسيد الكربون/مكافئ ثاني أكسيد الكربون | النسبة المئوية من الانبعاثات العالمية |
القوات المسلحة العالمية (مجتمعة) | ~2,750 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (ceobs.org) | ~5.5% من غازات الاحتباس الحراري العالمية (ceobs.org) |
الطيران المدني (عالمياً) | ~918 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون (bonpote.com) | ~2.5% من غازات الاحتباس الحراري العالمية (bonpote.com) |
الشحن البحري (عالمياً) | ~740 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون (2018) (imo.org ) | ~2–3% من غازات الاحتباس الحراري العالمية (imo.org ) |
سيارات الركاب (عالمياً) | ~3,200 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون (2018) * | ~6–7% من غازات الاحتباس الحراري العالمية (تقريبي) * |
الجيش الأميركي (وزارة الدفاع) | ~59 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون (theguardian.com) | ~0.15% من غازات الاحتباس الحراري العالمية (theguardian.com) |
أول 12 شهرًا من الحرب الروسية-الأوكرانية | ~120 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (legal-planet.org) | ~0.3% من مكافئ ثاني أكسيد الكربون العالمي لسنة واحدة (legal-planet.org) |
أول 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة | ~31 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (theguardian.com) | يساوي انبعاثات 100 دولة (theguardian.com) |
كما هو موضح في المصفوفة أعلاه، انبعاثات القطاع العسكري (حوالي 5.5%) أكبر من تلك الخاصة بالطيران المدني العالمي (حوالي 2.5%) وأقل قليلا من جميع سيارات الركاب في العالم. وفي مقارنة أخرى: لو صنفنا مجموع الانبعاثات العسكرية العالمية (حوالي 2.8 جيجاطن) مقابل الانبعاثات الوطنية، سنجد أن الانبعاثات العسكرية أقل من الولايات المتحدة (حوالي 5 جيجاطن) والصين (أكثر من 10 جيجاطن)، لكنها أكبر من الدول عالية الانبعاثات مثل روسيا (حوالي 2.2 جيجاطن) واليابان (حوالي 1.2 جيجاطن). إحصائية مذهلة أخرى تتعلق بالطائرات العسكرية (رغم كونها مجموعة فرعية من إجمالي الانبعاثات العسكرية) التي تساهم بشكل كبير في بصمة الطيران. قدرت دراسة أن الطيران العسكري يمثل حوالي 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية للطيران. وبالنظر إلى أن نسبة قليلة فقط من سكان العالم تطير في سنة معينة، فحصة الجيش من الطيران مفرطة (معظمها من القوات الجوية التي تشغل الطائرات النفاثة وطائرات النقل). في الجوهر، الطائرات الحربية ورحلات الشحن العسكرية جزء لا يستهان به من التأثير المناخي للطيران.
الحرب نفسها، عندما تندلع، يمكن أن تسبب ارتفاعات انبعاثات مفاجئة. على سبيل المثال، الحرائق من آبار النفط الكويتية في عام 1991 (كما لوحظ) عززت الانبعاثات العالمية لفترة وجيزة ببضعة أعشار بالمائة. مثال أحدث: يشير التحليل إلى أن الانبعاثات من شهرين فقط من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (أكتوبر-نوفمبر 2023) -حوالي 0.28 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون - كانت أكبر من الانبعاثات السنوية لعدة دول صغيرة. وإذا وصل إعادة إعمار غزة إلى حوالي 30-60 مليون طن كما هو مقدر، فإن تلك الحلقة الواحدة من الصراع ستحمل فاتورة انبعاثات تشبه تشغيل 15 محطة طاقة تعمل بالفحم لمدة سنة.
تؤكد هذه المقارنات أن الانبعاثات التي تولدها الحرب تضاهي تلك الناتجة عن الأنشطة الملوثة الرئيسية الأخرى. الفرق، بطبيعة الحال، هو أن الانبعاثات من السيارات أو الطائرات، على سبيل المثال، تأتي من ملايين المستهلكين، بينما الانبعاثات من الحرب والجيوش تأتي من السياسة والخيارات المؤسسية على مستويات عالية، ما يعني أنها يمكن أن تُكبح بالعمل الحكومي دون الحاجة لمليارات التغييرات السلوكية الفردية.
ومن المثير أيضاً كيف تقارن الانبعاثات العسكرية بالأهداف المناخية. ففي اتفاقية باريس تحديدا، تعهدت الدول بخفض الانبعاثات بما يكفي لتحديد الاحترار إلى 1.5-2 درجة مئوية. ومع ذلك، الانبعاثات العسكرية غالباً ما تُستبعد من الأهداف الوطنية، ما يجعل التعهدات الحالية متفائلة أكثر من اللازم. لكن، لو انخفضت الانبعاثات العسكرية العالمية إلى النصف، فستوفر حوالي 1.4 جيجاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أي تقريباً الفجوة التي غالباً ما توجد بين السياسات الحالية والمسارات المتماشية مع باريس لعام 2030. وبالعكس، زيادة الانبعاثات العسكرية (بينما تتسارع سباقات التسلح) يمكن أن تستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الكربون المتبقية. حذر تعليق في دورية Nature من أن ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي والصراع يمكن أن يعرض أهداف مناخ باريس للخطر، من خلال التغاضي عن الانبعاثات التي لا يُحسب لها حساب. بعبارة أخرى، نزع السلاح وأرباح السلام يمكن أن تساعد مباشرة في التخفيف المناخي، بينما الصراع والعسكرة يقوضانه بقوة.
الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة
الحجم المالي للمجمع العسكري-الصناعي العالمي هائل، وله تداعيات على كل من المناخ والأمن الدولي. في عام 2022، وصل الإنفاق العسكري العالمي إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 2.24 تريليون دولار، وارتفع أكثر إلى 2.72 تريليون دولار عام 2024 وسط الإنفاق المتزايد في أوروبا وأماكن أخرى. هذا النمو المتواصل (سنويا منذ 2015) يشير إلى أن موارد اقتصادية ضخمة تُصب في القطاع العسكري - موارد يمكن أن تمول، إذا أُعيد توجيهها، جزءاً كبيراً من التكيف المناخي العالمي أو نشر الطاقة المتجددة. الإنفاق العسكري غالباً ما يرتبط بإنتاج وشراء الأسلحة؛ فالمزيد من الأموال المنفقة يعني المزيد من إنتاج الأسلحة وشرائها واستخدامها (مع كل الانبعاثات المدمجة التي تستتبع ذلك).
من ينفق أكثر على الجيوش؟ الولايات المتحدة هي أكبر منفق بهامش واسع. في عام 2024، كان الإنفاق العسكري الأميركي حوالي 997 مليار دولار (حوالي تريليون دولار)، والذي وحده مثل 37% من الإنفاق العسكري العالمي. تشمل الميزانية العسكرية الأميركية كل شيء من الأفراد والعمليات إلى البحث والتطوير وصيانة الأسلحة النووية. الصين هي ثاني أكبر منفق، بحوالي 314 مليار دولار في عام 2024. بعد الصين، كان أكبر المنفقين في عام 2024 روسيا (حوالي 149 مليار دولار)، وألمانيا (حوالي 88.5 مليار دولار)، والهند (حوالي 86 مليار دولار)، والمملكة المتحدة (حوالي 81.8 مليار دولار).
هؤلاء الخمسة الأوائل (الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا والهند) معاً شكلوا حوالي 60% من إجمالي النفقات العسكرية العالمية. والجدير بالذكر أن إنفاق روسيا قفز بشكل كبير مع الحرب الروسية-الأوكرانية (7.1% من ناتجها المحلي الإجمالي عام 2024)، وإنفاق ألمانيا ارتفع بسبب صندوق خاص لترقية جيشها (ما جعلها رقم 4 عالمياً). ومن ضمن أسباب أخرى، الحجم الهائل للإنفاق العسكري الأميركي ناتج عن تزويد الولايات المتحدة حلفائها بالمعونات العسكرية المكثفة، وبخاصة لإسرائيل. الصراعات والتوترات الإقليمية تقود بوضوح هذا الارتفاع: أكثر من 100 دولة زادت ميزانياتها العسكرية في عام 2024، ما يثير قلقاً مناخياً لأن الإنفاق الأعلى غالباً ما يعني المزيد من استخدام الوقود والمزيد من تصنيع الأسلحة، ما لم تبذل الجيوش جهوداً مدروسة لتعويض أو تقليل الانبعاثات.
يمكن تقسيم الإنفاق العسكري إلى إنفاق على إنتاج الأسلحة المحلية مقابل الإنفاق على مشتريات الأسلحة (الواردات). بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة والصين، تنفق أساساً محلياً - لديها صناعات دفاع كبيرة تنتج كل شيء من البنادق إلى الطائرات المقاتلة لقواتها الخاصة (وللتصدير). بلدان أخرى تخصص ميزانيات كبيرة لشراء الأسلحة من الخارج (واردات الأسلحة) مثل الدول العربية الخليجية وإسرائيل.
وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، أكبر مصدري الأسلحة في السنوات الأخيرة هم: 1) الولايات المتحدة، 2) فرنسا، 3) روسيا، 4) الصين، و5) ألمانيا. الولايات المتحدة هي تاجر الأسلحة المهيمن؛ ففي الفترة الممتدة بين 2020-2024 تحديدا مثلت حوالي 40-45% من صادرات الأسلحة الرئيسية العالمية )بالقيمة المالية(. الشركات الأميركية تصدر طائرات متطورة وصواريخ وسفن حربية...إلخ، في جميع أنحاء العالم. ارتفعت فرنسا إلى المركز الثاني (حوالي 11% من الصادرات العالمية) ببيع الطائرات المقاتلة (مثل رافال) وأسلحة أخرى، حتى أنها متفوقة على روسيا (التي انخفضت صادراتها إلى حوالي 9%، بينما تحول الإنتاج لحربها الخاصة). الصين وألمانيا تتبعان بحصص أصغر.
من الجانب الآخر، أكبر مستوردي الأسلحة تقليدياً تشمل البلدان التي تفتقر لصناعة أسلحة محلية كاملة أو تواجه تهديدات أمنية. خلال الفترة 2019-2023، كانت الهند المستورد رقم 1 للأسلحة في العالم (نحو 9% من الواردات العالمية)، والسعودية كانت رقم 2، والآخرون في الخمسة الأوائل هم قطر وأستراليا والصين (رغم أن الصين تنتج معظم أسلحتها الخاصة، لكنها تستورد بعض الأنظمة المتخصصة). وبسبب الحرب، ارتفعت أوكرانيا لتصبح واحدة من أكبر المستوردين خلال الفترة 2022-23، حيث قدمت أكثر من 30 دولة لها أسلحة ثقيلة كمساعدة أو مبيعات. وفي عام 2022 وحده، كانت أوكرانيا المستورد الواحد الأكبر للأسلحة، إذ تلقت كل شيء من الدبابات إلى أنظمة مضادة للطائرات، والتي سيتعين استبدالها في مخازن الدول المانحة (دافعة لإنتاج جديد).
المستوردون الكبار مثل الهند والسعودية يشترون أساساً أسلحة تقليدية - طائرات مقاتلة ودفاعات جوية وسفن بحرية - من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، مستثمرين مئات المليارات التي تمول بشكل غير مباشر المزيد من البحث والتطوير وإنتاج الأسلحة عالمياً.
عندما يتعلق الأمر بأنواع الأسلحة، تقريباً كل الإنفاق العسكري هو على الأسلحة والقوات "التقليدية" (بما في ذلك الأسلحة التقليدية المتطورة). ومع ذلك، جزء من الإنفاق يذهب لبرامج أسلحة الدمار الشامل - وهي الترسانات النووية أساساً (حيث أن الأسلحة البيولوجية والكيميائية "محظورة" إلى حد كبير). يشمل مجمع الأسلحة النووية إنفاقاً كبيراً وله بصمته البيئية الخاصة؛ إذ أن تصنيع وصيانة الرؤوس النووية وأنظمة إيصالها (الصواريخ العابرة للقارات والقاذفات الاستراتيجية والغواصات) تتطلب طاقة ومواد، كما أن المرافق النووية غالباً ما تستخدم الكثير من الكهرباء (رغم أن الكثير منها قد يكون طاقة نووية خالية من الكربون).
وفقاً للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (ICAN)، الدول التسع المسلحة نووياً (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، الهند، باكستان، إسرائيل وكوريا الشمالية) أنفقت معاً أكثر من 100 مليار دولار على الأسلحة النووية في عام 2024، بزيادة تقارب 10 مليارات دولار بالمقارنة مع السنة السابقة. الولايات المتحدة وحدها تمثل أكثر من نصف الإنفاق النووي العالمي (تغطي مخزون الرؤوس الحربية و"ثالوث" الإيصال النووي والبرامج ذات الصلة). هذه النفقات لها تأثير مناخي مباشر محدود مقارنة بالبصمة العسكرية التقليدية، لكنها تحول أموالاً ضخمة يمكن استخدامها للطاقة النظيفة أو المرونة المناخية.
علاوة على ذلك، إنتاج الأسلحة النووية ترك كما كبيرا من النفايات السامة والتلوث البيئي (مثل مفاعلات إنتاج البلوتونيوم ومواقع الاختبار)، رغم أن ذلك يعد مسألة تلوث محلي أكثر من مسألة مناخية. من ناحية أخرى، برامج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية محظورة الآن بموجب معاهدة الأسلحة البيولوجية 1972 واتفاقية الأسلحة الكيميائية 1993. ورغم عدم وجود إنفاق كبير على تطوير هذه الأسلحة (على الأقل علناً)، إلا أن الدول تنفق على التدابير الوقائية (مثل اللقاحات وأقنعة الغاز) وعلى تدمير المخازن القديمة. فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة أنهت للتو برنامجاً استمر 30 سنة لحرق ذخائرها الكيميائية المتبقية في عام 2023، مكلفاً مليارات الدولارات ومتضمناً ضوابط انبعاثات دقيقة لتجنب إطلاق السموم.
من منظور مناخي، الأسلحة الكيميائية/البيولوجية ليست عاملاً رئيسياً - إلا إذا استُخدمت لتدمير النظم البيئية ("العامل البرتقالي" الذي استخدمه الاحتلال الأميركي في فيتنام مثال على سلاح كيميائي يسبب إطلاق كمية هائلة من ثاني أكسيد الكربون). الأسلحة والقوات التقليدية تبقى بالتالي القلق المناخي الأساسي.
في المحصلة، أنماط الصناعات والإنفاق العسكرية العالمية تكشف الدورة التالية: الإنفاق العسكري العالي يغذي صناعات أسلحة قوية (التي تستهلك الطاقة/الموارد وتنبعث منها غازات دفيئة في الإنتاج)، ونشر تلك الأسلحة (بواسطة القوات المحلية أو عبر الصراعات المُسمنة بالتصدير العسكري) يؤدي إلى مزيد من الانبعاثات في الاستخدام. البلدان التي تصب أكثر الأموال في هذه الدورة - مثل الولايات المتحدة، الصين وروسيا – فهي فعليا تلك التي تساهم أكثر في مشكلة الانبعاثات العسكرية. أما الدول التي تشتري كميات كبيرة من الأسلحة (مثل المستوردين في البلاد العربية وأسيا) فتعزز النمو المستمر لصناعة الأسلحة.
تكلفة الفرصة المناخية كبيرة؛ فعلى سبيل المثال، أكثر من 2.7 تريليون دولار أُنفقت على الجيوش في عام 2024 يمكن أن تمول توسعاً واسعاً لبنية الطاقة المتجددة أو تدابير التكيف المناخي عالمياً. بدلاً من ذلك، معظم تلك الأموال تؤدي إلى مزيد من النشاط الباعث لكميات مرتفعة من الكربون، ناهيك عن استثمارها في عمليات القتل الواسعة والجرائم البشعة ضد الإنسانية، كما الهمجية الدموية الإسرائيلية غير المسبوقة في التاريخ المعاصر بقطاع غزة تحديدا. وربما بعض بصيص الأمل المشجع تجلى في السنوات الأخيرة في أن فكرة "أرباح السلام للمناخ" تكتسب زخماً، وتحديدا فكرة أن تهدئة الصراعات وتقليل إنتاج الأسلحة يمكن أن يحرر الموارد وقدرة الانبعاثات لصالح مكافحة تغير المناخ. وعلى العكس، الفشل في كبح الانبعاثات العسكرية والتلوث المدفوع بالأسلحة، يمكن أن يقوض التخفيضات المحققة في القطاعات المدنية.
الخلاصة
للصراعات العسكرية والاستعدادات للحرب تأثير عميق على المناخ، طالما قُلل من شأنه في كل من التقييمات العلمية والخطاب العام. تاريخياً، ندبت الحرب الأرض وأطلقت الكربون من خلال الغابات المحترقة وحقول النفط، من الممارسة الرومانية للأرض المملحة إلى النابالم الأميركي وتدمير الغابات في فيتنام، وحروب القرن الواحد والعشرين عالية التقنية وعالية الكربون، سواء كانت دبابات تتدحرج عبر أوروبا أو طائرات مقاتلة تهيمن على السماوات أو سفن حربية وغواصات تبحر في المحيطات.
البيانات والحالات المراجعة - من فيتنام إلى العراق فأفغانستان (حروب أميركية) إلى قطاع غزة (حرب إسرائيلية-أميركية) - تبرهن أن الحروب يمكن أن تضخ من ميجاأطنان إلى جيجاأطنان من ثاني أكسيد الكربون، وأحياناً تنافس هذه الانبعاثات دولا بأكملها. في الوقت ذاته، يساهم المجمع العسكري-الصناعي باستمرار بنسبة ثابتة 5%+ من الانبعاثات العالمية حتى في أوقات "السلام". هذه ليست كميات هامشية؛ إنها تتموضع على قدم المساواة مع القطاعات المدنية الرئيسية الأخرى مثل الطيران أو الشحن.
على عكس معظم الصناعات، استُبعدت البصمة الكربونية للجيوش من العديد من التزامات المناخ، رغم أن العديد من الباحثين والناشطين يسلطون الضوء على هذه المسألة. هناك حاليا مطالبات متنامية بالمزيد من الشفافية والمساءلة، وتحديدا إلزام البلدان بالإعلان عن انبعاثاتها العسكرية في قوائم جردها المناخية الوطنية، ودمج الانبعاثات العسكرية في أهداف التخفيض المستقبلية. بعض القوات المسلحة تفحص أيضاً طرق "تخضير" عملياتها- على سبيل المثال، استخدام الوقود البديل وتحسين كفاءة الطاقة في القواعد العسكرية، أو حتى تطوير مركبات عسكرية كهربائية. لكن الأهم من كل ذلك ضرورة إعادة تفكير أكثر شمولا لنماذج الأمن: وقف سباق التسلح والصراعات العسكرية اللانهائية المدمرة، ما سيحقق ليس فقط عالماً أكثر سلاما بل أيضاً أكثر برودة.
في المفاوضات المناخية الدولية كان موضوع الجيوش غائباً إلى حد كبير؛ لكن ذلك أخذ مؤخرا يتغير ببطء. المتخصصون يتحدثون عن معالجة "فجوة الانبعاثات العسكرية" كشرط ضروري لتحقيق أهداف اتفاقية باريس. بعد كل شيء، لا معنى أن تحول البلدان محطات الطاقة وأساطيل السيارات إلى طاقة نظيفة، لكن تترك جيوشها تعمل على النفط وتضخ ثاني أكسيد الكربون دون قيود. كل قطاع، بما في ذلك الدفاع، يجب أن يقوم بدوره.
هناك أيضاً رابط جوهري بين خفض حدة الصراع وتحقيق المرونة المناخية؛ فالحرب تدمر المجتمعات والبنية التحتية، ما يجعلها أكثر عرضة لكوارث المناخ، وتحول رأس المال البشري والمالي الهائل بعيداً عن الجهود البناءة للتنمية المستدامة. تغير المناخ نفسه يُرى بشكل متزايد كمضاعف تهديد أمني، يسبب ضغوط الموارد التي يمكن أن تشعل الصراع. وهكذا، معالجة العسكرة وتغير المناخ بالتوازي ليس فقط منطقية، بل ضرورية.
في الختام، تأثير الحروب العسكرية على المناخ مباشر وغير مباشر؛ فالتأثير المباشر يحدث من خلال الانبعاثات والدمار الذي قمنا بقياسه، أما التأثير غير المباشر فيحدث من خلال تكاليف الفرصة والإلهاءات السياسية التي تستتبعها العسكرة. الاعتراف بالحرب كمسألة مناخية لا يقلل من مآسيها الإنسانية، بل يجعل الأمر أكثر إلحاحاً لمنع الصراع وبسط الأمن. عالم بحروب أقل وصناعة أسلحة أصغر سيحصد أرباحاً مضاعفة: السلام والاستدامة.

غريتا ثونبرغ الناشطة المناخية السويدية الأممية الشجاعة
غريتا ثونبرغ الأيقونة المناخية السويدية الأممية الشجاعة، جسدت بقوة البعد الإنساني لأزمة المناخ التي تفاقمها الحروب بعامة، وآلة القتل الإسرائيلية التي تفتك وتجوع ملايين الفلسطينيين دون رحمة، بخاصة- جسدت هذه العلاقة من خلال مشاركتها في سفينة مادلين (أسطول الحرية) واتجهت في حزيران الماضي نحو غزة لكسر الحصار التجويعي، فاعتقلتها وسائر الناشطين والناشطات قوات الاحتلال الإسرائيلي في عرض البحر؛ لكنها لم تتنازل عن موقفها المبدئي بأن لا عدالة مناخية دون عدالة إنسانية واجتماعية، فكررت مشاركتها في أسطول الصمود العالمي، خلال أيلول-تشرين أول الماضي، فاعتقلتها القوات الإسرائيلية وأذلتها للمرة الثانية مع سائر رفاقها.
وبالمثل، في تموز الماضي، شارك نشطاء بيئيون وبرلمانيون وحقوقيون في سفينة حنظلة المتجهة نحو غزة لوقف أبشع جرائم الحرب والتجويع المروعة غير المسبوقة في تاريخنا المعاصر، المقترفة أمام الصمت الدولي وتواطؤ العديد من الحكومات التي تتشدق بشعارات الحرية والعدالة؛ ما يؤكد أن لا حرية وعدالة (سواء أكانت اجتماعية أم مناخية) دون ضمان "الحق في الحياة"، كما أشار، في تموز الماضي، الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (الخاص بتغير المناخ). وكما حدث في سفينة مادلين، اعترض الجيش الإسرائيلي بالقوة سفينة حنظلة في المياه الدولية، وكذلك فعل في أوائل أكتوبر الماضي، حين هاجم عشرات السفن التابعة لأسطول الصمود؛ ما يعد قرصنة دولة خارجة عن القانون.
وبينما تتسارع أزمة المناخ، قد يكون صنع السلام الحقيقي واحدا من أكثر الاستراتيجيات المناخية فعالية، كتحويل السيوف إلى ألواح شمسية، كما قد يقول المثل مجازا. البحث الحالي والحالات المذكورة هنا أكدت بأن "الحرب ليست خضراء" وأن أي جهد جدي لمكافحة تغير المناخ يجب أن يشمل وقف سباق التسلح والحروب العسكرية، وانتزاع الشعوب المقهورة والمعذبة لحقوقها في الحياة الحرة الكريمة دون قمع واضطهاد. فبقطع البصمة الكربونية للحروب، نخطو خطوة ليس فقط نحو الاستقرار المناخي، بل نحو كوكب أكثر أماناً وإنسانية.

No comments:
Post a Comment