الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
على امتداد شهور الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، لم يسلم الغطاء النباتي من آلة التدمير، إذ تحولت مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء إلى رماد، تاركةً وراءها أزمة بيئية وزراعية غير مسبوقة في تاريخ القطاع.
وفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي منذ اندلاع الحرب حتى نهاية نيسان/أبريل 2025 يعكس كارثة بيئية تحتاج إلى سنوات طويلة من العمل المتواصل لاستعادتها.
فقد دمّرت قوات الاحتلال نحو 80% من الأراضي الزراعية في غزة، كما دُمر أكثر من 82.8% من آبار المياه، واقتُلعت ما يزيد عن 3.8 مليون شجرة، بينها 1.62 مليون شجرة زيتون، و100 ألف شجرة نخيل، إضافة إلى أكثر من مليوني شجرة فاكهة أخرى.
هذا الدمار الواسع حرم الشريط الساحلي من أحد أهم مكونات بيئته الطبيعية ومصدر رزق سكانه، لتتحول المساحات الخضراء إلى أراضٍ قاحلة.
ومع ذلك، بدأت بعض المؤسسات البيئية المحلية والدولية، وعلى رأسها المنظمة العربية لحماية الطبيعة، جهودًا لإعادة تأهيل الغطاء النباتي في القطاع من خلال مشروعها "إعادة الحياة لمزارع غزة".
يقول المهندس باسم أبو غليبة، ممثل المنظمة، إن المبادرة انطلقت مع بداية الحرب، عبر توزيع بذور الخضروات في يناير/كانون الثاني 2024، بعدما تسبب انقطاعها في الأسواق بارتفاع حاد في الأسعار.
وبحلول مارس/آذار، تمت زراعة هذه البذور على مساحة 1341 دونمًا، استفاد منها 790 مزارعًا، أي ما يقارب 12500 مواطن.
وساهم هذا المشروع في خفض أسعار الخضروات تدريجيًا، لتعود في متناول المواطنين.
لكن التقارير الأممية تشير إلى أن الأضرار لا تزال هائلة. فبحسب تحليل حديث صادر عن “الفاو” في أغسطس 2025، لم يتبقَّ سوى 1.5% من الأراضي الزراعية صالحة للزراعة، أي نحو 232 هكتارًا فقط، مقارنة بـ4.6% في أبريل/نيسان من العام نفسه. كما تُظهر صور الأقمار الصناعية أن 12.4% من الأراضي الزراعية مصنّفة كمناطق محظورة لا يمكن الوصول إليها.
وأدى تدمير شبكات الري والطرق ومخازن الغذاء والمعدات الزراعية إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي، ما جعل إنتاج الغذاء على نطاق واسع أمرًا شبه مستحيل في الوقت الراهن.
ومع حلول موسم قطف الزيتون في فلسطين، يجد سكان غزة أنفسهم أمام موسم شبه معدوم، بعد أن دُمرت نحو 1.6 مليون شجرة زيتون من أصل أربعة ملايين.
ورغم هذا الدمار، أطلقت المنظمة العربية لحماية الطبيعة المرحلة الثانية من مشروعها لزراعة 30 ألف شجرة زيتون جديدة في مناطق آمنة نسبياً، لتعويض ما فُقد.
ويؤكد المهندس أبو غليبة أن المشروع يركز على المناطق التي انسحب منها الاحتلال، والتي تم التأكد من خلوها من المخلفات الخطرة، مشيرًا إلى أن المزارعين الذين فقدوا أشجارهم يمكنهم الاستفادة من هذه المبادرة.
ونظرًا لندرة زيت الزيتون وارتفاع سعر “التنكة” إلى 2200 شيكل، يجري التركيز على زراعة أصناف سريعة الإنتاج مثل نوع (K18)، الذي يبدأ بالإثمار خلال عامين فقط، ما يُسهم في توفير الزيت للسوق المحلية سريعًا.
قبل الحرب، كان قطاع غزة ينتج نحو 47 ألف طن من زيت الزيتون سنويًا، بينما انخفض الإنتاج خلال الحرب إلى 7,400 طن فقط — رقم يعكس مدى الخراب الذي لحق بالقطاع الزراعي.
ورغم قسوة الواقع، تبقى هذه المبادرات البيئية بذور أمل حقيقية، تسعى لإعادة الحياة إلى أرض أنهكتها الحرب، وإحياء العلاقة بين الإنسان والأرض في غزة من جديد
.jpeg)
No comments:
Post a Comment