الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
في خطوة قد تغيّر مستقبل صناعة الإلكترونيات، أعلن فريق بحثي من جامعة واشنطن عن تطوير مركّب مبتكر يجمع بين المرونة العالية، والقدرة على التوصيل الكهربائي، والإصلاح الذاتي، وقابلية إعادة التدوير — وهي صفات نادرًا ما تجتمع في مادة واحدة.
المادة الجديدة، المكوّنة من بوليمر مطاطي مدمج بقطرات مجهرية من معدن سائل يعتمد على الجاليوم، تُعد نواة لجيل قادم من الإلكترونيات المستدامة، القابلة لإعادة التشكيل والاستخدام المتكرر، في وقتٍ تتفاقم فيه أزمة النفايات الإلكترونية عالميًا.
أزمة متفاقمة تهدد البيئة
تُعد النفايات الإلكترونية الأسرع نموًا بين أنواع النفايات في العالم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنها قد تتجاوز 60 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، في حين لا يُعاد تدوير سوى نسبة محدودة منها بسبب تعقيد فصل المواد وتكلفة استخراج المعادن والبوليمرات من الأجهزة القديمة.
إدارة هذه النفايات بطرق غير آمنة يؤدي إلى تسرب مواد سامة مثل الرصاص والزئبق إلى التربة والمياه، مما يشكل خطرًا مباشرًا على الإنسان والبيئة.
من فكرة علمية إلى مادة متعددة الوظائف
أمام هذا التحدي البيئي، قاد الدكتور محمد ملكوتي، أستاذ الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد، فريقًا بحثيًا لتصميم مادة إلكترونية جديدة تتجاوز قيود الدوائر الصلبة التقليدية.
وقال ملكوتي:
"هدفنا كان ابتكار مادة واحدة تُحقق التوازن بين الأداء الكهربائي والاستدامة — مادة يمكن إصلاحها وإعادة استخدامها دون أن تفقد كفاءتها."
الفكرة اعتمدت على دمج قطرات نانوية من معدن سائل داخل شبكة بوليمرية مرنة.
فعند خدش السطح، تتصل هذه القطرات لتشكّل مسارات موصلة للكهرباء، بينما تبقى المناطق المحيطة عازلة، مما يُتيح تصميم دوائر كهربائية مرنة وسريعة التشكيل وقابلة للتعديل دون الحاجة لإعادة التصنيع.
مادة ذاتية الالتئام وقابلة لإعادة التدوير
تتميز المادة الجديدة بقدرتها على الالتئام الذاتي؛ إذ يمكن إعادة وصل الأجزاء الممزقة أو المقطوعة باستخدام الحرارة والضغط فقط، لتعود إلى العمل كما كانت.
هذه الخاصية تجعلها مثالية لتصنيع أجهزة قابلة للارتداء، ومستشعرات مرنة، وروبوتات ناعمة قادرة على التعامل بأمان مع البشر.
كما يمكن تفكيك البوليمر المستخدم كيميائيًا بطريقة آمنة، تسمح باستخلاص المعدن السائل بنسبة استرجاع تصل إلى 94% — وهي نسبة غير مسبوقة في هذا المجال، ما يفتح الباب أمام نظام تدوير مغلق بالكامل للإلكترونيات.

بين البحث العلمي والتطبيق الصناعي
يمتد هذا الإنجاز من أبحاث مستمرة منذ عام 2019 في مختبر ملكوتي، الذي يستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحديد أنسب التركيبات بين المعادن السائلة والبوليمرات.
وأظهر الفريق أنه يمكن التحكم في خصائص التوصيل والمرونة عبر تغيير حجم القطرات المعدنية وتوزيعها داخل المصفوفة البوليمرية، ما يجعل المادة قابلة للتخصيص بحسب نوع الجهاز الإلكتروني المطلوب.
نحو ثورة في الإلكترونيات المستدامة
يرى ملكوتي أن هذا الابتكار يمثل تحولًا جذريًا في فلسفة تصميم الأجهزة الإلكترونية، قائلاً:
"يجب أن نبدأ من التصميم بمواد يمكن تفكيكها وإصلاحها وإعادة استخدامها، بدلًا من مواجهة أزمة النفايات بعد فوات الأوان."
ويأمل الباحثون أن تمهّد هذه المادة الطريق أمام جيل جديد من الأجهزة القابلة للإصلاح وإعادة الاستخدام، في مجالات تشمل الأجهزة الطبية القابلة للارتداء، والمستشعرات البيئية، والروبوتات اللينة.
نحو اقتصاد إلكتروني دائري
في المستقبل، قد تُحدث مثل هذه المواد ثورة في الاقتصاد الدائري للإلكترونيات، عبر إنتاج أجهزة تُستخدم وتُصلح وتُعاد تدويرها مرارًا دون أن تُلقى في النفايات.
ويختتم ملكوتي حديثه قائلًا:
"ما حققناه اليوم ليس النهاية، بل البداية. إذا استطعنا دمج هذه المواد في الإلكترونيات الحديثة، سنكون قد اقتربنا فعليًا من عصر إلكترونيات خضراء وصديقة للبيئة."
.jpeg)
No comments:
Post a Comment