بركة العنزية في الرملة: تحفة عباسية صمدت في وجه الزمن

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands

تُعد بركة العنزية، المعروفة أيضًا باسم "بركة الأقواس" أو "بركة الخيزران"، أحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة الرملة، وقد سُمّيت نسبةً إلى السيدة الخيزران، والدة الخليفة العباسي هارون الرشيد. تمثل هذه البركة شاهدًا حيًا على ازدهار العمارة الإسلامية في العصر العباسي، وتُجسّد الاهتمام بتوفير المياه في المدن الكبرى خلال تلك الفترة.

تعود البركة إلى العصر العباسي، حيث شُيّدت في عهد الخليفة هارون الرشيد، ويوجد نقش حجري داخلها يوثّق تاريخ إنشائها بدقة، ويحمل اسم أمير المؤمنين، مؤرخًا بسنة 172هـ الموافق 789م. وقد استمرت البركة في أداء وظيفتها كمصدر رئيسي للمياه لما يقارب 150 عامًا، قبل أن تخرج من الخدمة نتيجة ما تعرضت له المنطقة من زلازل أثرت على بنيتها.

من الناحية المعمارية، تتميز البركة بهيكل قوي ومتقن؛ إذ تبلغ مساحتها نحو 500 متر مربع، ويصل ارتفاعها إلى 9 أمتار، بسعة إجمالية تصل إلى 4500 مترًا مكعبًا من المياه. تتخذ البركة شكلًا مربعًا غير منتظم، وتتكون من أربعة جدران سميكة بُنيت من حجارة متناسقة ومثبتة بإتقان، كما طُليت من الداخل بطبقة إسمنتية سميكة لضمان العزل ومنع تسرّب المياه.

وتضم البركة درجًا في الزاوية الشمالية الشرقية، يتيح النزول من الخارج إلى داخلها، إضافة إلى 24 فتحة علوية يبلغ قياس كل واحدة منها 55×55 سم، كانت تُستخدم لاستخراج المياه بواسطة الدلاء، في نظام دقيق يعكس مستوى التطور الهندسي آنذاك.

وقد أُعيد اكتشاف بركة العنزية في أواخر القرن التاسع عشر على يد بعثة فرنسية، بعد أن طمرها الإهمال عبر قرون طويلة، لتعود إلى الواجهة كأحد الكنوز الأثرية المهمة في فلسطين.

إن بركة العنزية ليست مجرد بناء قديم، بل هي سجل تاريخي مفتوح يروي جانبًا من حضارة متقدمة أبدعت في إدارة الموارد المائية، وتشهد على عظمة التراث العباسي الذي ما زالت آثاره حاضرة حتى اليوم.