نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

شركة كسابري للتجارة و الصناعة

شبكة صبا الإعلامية

شبكة صبا الإعلامية

Wednesday, December 10, 2025

الزعتر من عبادة الخصوبة إلى المطبخ الشعبي

الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



 يعدّ نبات الزعتر من النباتات المميّزة والشائعة في منطقة الشام، حيث يرتبط اسمه بحالتين مختلفتين هما نبات الزعتر الحقيقي والخلطة العطريّة المعروفة باسم الزعتر. وقد عُرف هذا النبات منذ القدم وارتبط بعدّة حضارات وثقافات في المنطقة. في هذا المقال سنتعرّف على التاريخ الحافل والأصول المتشعّبة لنبات الزعتر الذي ما زال محبوباً ومنتشراً في الشام والشرق الأوسط حتى اليوم.

الزعتر… تتشارك هذه المفردة في بلاد الشام شيئين، نبات وخلطة عشبية. المفردة الأقدم في التدوينات العربية هي صعتر. وعنها اقتبست اللغة الآرامية البابلية القديمة كلمة {صعتره} צתרה واقتبست اللاتينيّة كلمة {شاتُريّه} Satureja (زاتُريّه). 

حكاية خلطة الزعتر

  1. في الأصل بدأت الحكاية بتنكيه زيت الزيتون بعشبة الزوفا. كان هذا الزيت المنكّه هو المطلوب، على أساس أنّه يحتوي خلاصة وفوائد الزوفا. وكانت العرب تأكله مع الخبز.
  2. لاحقاً أضاف أهل فلسطين لهذا النقوع نبات السمّاق، كذلك بسبب فوائده وطعمه اللّذيذ. ومعروف غرام أهل فلسطين بالسمّاق منذ القِدم.
  3. بعدها صارت الناس تأكل هذا الخليط المنقوع ولا تكتفي بزيت النقوع فقط، فصارت كمّية الزوفا والسمّاق المنقوعة في الزيت كبيرة تملاً الجرّة كلّها. وتحوّل الحال إلى أعشاب مخلّلة في زيت الزيتون.
  4. بعدها صارت العرب تضيف إلى هذه الخلطة في الطبق السمسم المحمّص، بسبب حلاوته وما يضيفه من نكهة لطيفة عليها.
  5. ثمّ انسحبت الناس إلى تخزين الخلطة (العجنة) مسحوق جاف، لتضيف زيت الزيتون في ميقات الأكل، فنشأ الشكل المعاصر لخلطة الزعتر. لكن، بيوت الزعتر الفلسطينية الأصيلة لم تزل تضيف رشرشات من زيت الزيتون إلى الخلطة بعد تجفيفها وسحقها، وقبل تخزينها في شوالات الزعتر.

الربّ صَعِر وميلاد احترام الزعتر

تعود التسمية زعتر إلى أسطورة أشاعها الرومان بعد تأسيس محافظة إيليّة الرومانية في فلسطين بغرض ترويج خلطة الزعتر، تدّعي أنّ للخلطة أثر في تعزيز الخصوبة بدعم من المعبود القديم “زعتر الفحل”: رجل بقضيب كبير منتصب وأقدام ماعز وذيل حصان. ويُعتقد أنّ التسمية زعتر نحت عن التسمية “ذو عثتَر” للمعبود عثتر الذي ورد في النصوص الأُگاريتية بصيغة 𐎓𐎘𐎚𐎗 وكذلك عثترت 𐎓𐎘𐎚𐎗𐎚 بالتأنيث ثمّ بالآرامية عثتر 𐡏𐡕𐡓 … ويبدو أنّ أهل المنطقة عبدوا ابناً لعثتر ورد اسمه في النقوش اللاحقة بصيغة “بَر عتَّر” 𐡁𐡓𐡏𐡕𐡓. وقد يكون هو المعبود المرتبط بأسطورة تعزيز الخصوبة وتسمية خلطة الزعتر باسمها، لينسحب اسم الخلطة لاحقاً على العشبة، لذيوع شهر اسم الخلطة.

في الحِقْبَة السريانيّة (الأسوريّة) ربطت شعوب الشام والنهرين ومصر نبات الصعتر بملاك سمّوه: {عثتر صَعِر}. وعدّه بعض العرب من الجن. روح ذكوريّة للطبيعة، رجل بجسد ماعز وبأذنيّ وذيل حصان، بالإضافة إلى انتصاب دائم ومبالغ به. وهذا سبب ربط القدرة الجنسيّة عند الرجل بالفحولة. إذ آمن العرب بقدرات جنسيّة لنبات الصعتر ودعمه للفحولة.

الربّ صَعِر
الربّ صَعِر

كلمة صَعِر تعني في العربيّة المنتصب أو المتصلّب، وعنها صار اسم هذا الجنّي في الآرامية البابلية شَعِر و صَعِر שָׂעִיר كذلك. لكن بمعنى الرجل المشعراني وليس بمعنى المنتصب. أمّا في مصر فكان نفسه الربّ الذي قدّسه المصريّون شمالاً لاحقاً باسم {خنُم} و {غنُم} و {قنُم}. ثمّ صار في إغريقية الإسكندرية الكوينيّة {خنوڤيس} Χνοῦβις وهو ربّ الفحولة الذكوريّة الذي تقدّس بشكل أساسي في مدينة {جِدِت} التي هي اليوم تل الربيع شمال دلتا النيل. 

وهذا الربّ كان سبب منح ملك مصر لقب ماعز الجبل تشريفاً، في الفترات ما بين الحكم السريانيّة (الأسوريّة) وحتّى نهاية الأسرة الپطولمية. لأنّه الفحل الأفحل حَسَبَ الاعتبارات السريانيّة. ثمّ وفي الفترة الهلنستيّة، رُبط الفحل ماعز الجبل بربّ الأرض ووالد النيل گِب (قِب – جِب)، فصار ماعز الجبل الملك هو قرين ربّ الأرض وحمل لقب گِبت (گِمت) نسبةً، ووُلدت عنها تسمية القبط في عهد الأسرة الپطولمية (كما يُعتقد).

قد تكون تحوّلت المفردة العربية صعتر إلى زعتر بتأثير إغريقي، والإغريق تبنّو أسطورة صعِر ونبات الصعتر وربطوها بملاك سمّوه زاتور أو زاتير σάτυρος. ثمّ تركت الفترة الهلنستية أثرها في معتقدات الإغريق واللاتين إلى جانب العرب. وهذا سبب شهرة النبات تالياً في السوق الرومانية. تعرّف الرومان إلى هذه النبتة في الأناضول وزرعوها لأغراض التجارة في مستعمراتهم في فلسطين وازدهرت فيها وصار الزعتر من أهمّ صادرات فلسطين في الفترة الرومانية.

الزعتر الفلسطيني

في العصر الروماني بدأت الاستثمارات الرومانية في فلسطين بتصدير خلطة عشبية تحت اسم الزعتر (زاتور، زاتار) على اسم الملاك الإغريقي زاتور σάτυρος على أنّها خلطة تزيد الفحولة وتعمل على إطالة فترة انتصاب الرجال وزيادة كميّة النطاف. ومذّاك انتشرت شعبية خلطة الزعتر الفلسطيني في منطقة المتوسّط وما تراجعت أبداً.

تسمية خلطة زعتر تعود إلى أسطورة تدّعي لها أثرّ في تعزيز الخصوبة بدعم من المعبود القديم “زعتر الفحل”. هذا زعم روماني… لا يوجد دراسة استطاعت إثبات أي دور لأيّ واحدة من مكوّنات خلطة الزعتر في تعزيز القدرات الجنسية أو تعزيز الخصوبة. ما يعني أنّ الأسطورة الرومانية التي ورثها الطبّ الشعبي؛ هي خرافة، وليست حقيقة.

في القرن الثاني غيّر الرومان اسم مدينة مُرَيَّا (موريا) Moria إلى “عاصمة مستوطنة إيليّة” COLONIA AELIA CAPITOLINA وهي اليوم مدينة القدس. وتسمية إيليّة هنا منسوبة إلى اسم عشيرة الإمبراطور هادريان أيليّة Aelia gens إحدى أثرى عشائر مدينة روما وطوال 800 سنة. تسمية “إيليّة” هذه هي التي حوّرها العرب أهل فلسطين إلى “إِيْلْيَاء” على وزن سرياني. وذكرتها المراجع العبرية الطبرية كذلك باسم “إيليّاه قَپّيطوليناه” אֵילִיָּה קַפִּיטוֹלִינָה تحوير عن الاسم اللاتيني. وهذه العشيرة الثريّة إيليّة سيطرت على صناعة الزعتر الفلسطيني وصارت إلى ترويج تجارته في عموم أنحاء الإمبراطورية، ولترويجه بسرعة اخترعت أسطورة دعم الزعتر للفحولة.

في الماضي، عرف العرب نبات الزوفا Hyssopus officinalis وتقليدياً كان هو المكوّن الأساسي في خلطة الزعتر، وعرف له العرب فوائد في علاج المشاكل المتعلّقة بالجهاز التنفّسي، لذلك عدّ العرب الزوفا نعمة من المعبود {بر عثتر} (شره). ولمّا رأى آخرون من العرب أنّ {بر عثتر} هو {تمّوز} الراعي الرسمي للفحولة، ربطت كذلك نبات الزوفا بالفحولة.

في فلسطين استعملت مصانع الزعتر في العهد الروماني عشبة الزعتر البرّي (الزاحف) Thymus serpyllum وصارت هذه العشبة هي رمز الفحولة “المزعومة”، وحملت اسم {صعتر} بسبب استعمالها في خلطة الزعتر. كلا العشبتين من عائلة النعناع Lamiaceae وتُستخدم في الطبّ العربي لعلاج نزلات البرد ومشاكل التنفس… لكن، ليس لها دور في علاج المشاكل الجنسية. خلطة الزعتر خلطة لذيذة ومأكل طيّب، لمكوّناتها فوائد جميلة على صحّة الإنسان، وفوائدها أكبر على المزاج وتحسينه ودعم المشاعر الإيجابية في الإنسان.

وتتكوّن خلطة الزعتر البلدي في الأصل من: الزعتر الأخضر المجفف Thymus vulgaris، زيت الزيتون، السمّاق، الملح. ثمّ في العهد الإسلامي أضيفت بعض المكوّنات الأخرى إلى الزعتر الفلسطيني، مثل الكمّون والفلفل الحلو، ولكن هذه المكوّنات ليست أساسيّة.

خلطة الزعتر الفلسطيني جافّة وتباع جافّة، ولكن زيت الزيتون في الأصل موجود فيها، ولكن بكمّيّات قليلة جدّاً. حيث يُضاف زيت الزيتون إلى خلطة الزعتر الفلسطيني عند تحضيرها، ولكن يتم تسخينه حتى يتم امتصاصه من قبل الزعتر. ونتيجة لذلك، يبقى زيت الزيتون في خلطة الزعتر الفلسطيني على شكل رذاذ أو سائل لزج غير ملموس.

وهذا هو السبب في أن خلطة الزعتر الفلسطيني لها رائحة زيت الزيتون، ولكن لا تبدو زيتية. كما أنّ زيت الزيتون يساعد على الحفاظ على خلطة الزعتر الفلسطيني طازجة لفترة أطول. وفي الحقبة الرومانية أضاف أهل فلسطين الزعتر إلى خلطاتهم بطرق مختلف، منها: 

  • إضافة زيت الزيتون إلى الزعتر الأخضر المجفّف قبل طحنه.
  • إضافة زيت الزيتون إلى الزعتر الأخضر المجفّف بعد طحنه، ثم تسخينه حتى يتم امتصاصه.
  • إضافة زيت الزيتون إلى خلطة الزعتر الفلسطيني الجافة قبل تخزينها.

وهذه الطريقة الأخيرة هي الأكثر شيوعاً اليوم، حيث يُضاف زيت الزيتون إلى خلطة الزعتر الفلسطيني الجافّة قبل تخزينها، وذلك للحفاظ على خلطة الزعتر طازجة لفترة أطول.

وتشمل مكوّنات خلطة الزعتر التقليدية المعاصرة غالباً عشبة الزعتر البرّي Thymus serpyllum (الزوفا، التي تنمو برّيّاً في جميع أنحاء بلاد الشام وتتميّز بنكهة قوية.)، والمردقوش الشامي Origanum majorana، والزعتر الأخضر Thymus vulgaris، والمردقوش الإيطالي Origanum vulgare (الأوريگانو)، وبزر الكزبرة، والكمّون، وبزور السمسم المحمّص، والسمّاق، والملح.

اليوم، تستعمل أغلب المصانع في خلطة الزعتر الزعتر السوري Origanum syriacum الذي طوّره مزارعوا فلسطين قبل نحو ألفي سنة، بديلاً عن الزعتر البرّي (الزوفا).

خلطة الزعتر الفلسطينية المعاصرة
خلطة الزعتر الفلسطينية المعاصرة
اليوم تغيّرت الأسماء والنباتات المقترنة بها:

في المنطقة ما بين الفرات والبحر الطبري على الشرق لم تزل الناس تطلق كلمة زعتر أو صعتر على ذات النبات القديم Satureja. أمّا إلى غرب الفرات فتغيّر اسم هذه النبتة إلى الندغ. وتحوّلت الناس بتسمية زعتر (صعتر) لتستعملها على نبات آخر دائم الخضرة اسمه التيم Thymus.

الندغ، الصعتر الأصلي، معروف في بلاد الشام بأسماء: الندغ الجبلي والندغ الزعتري والندغ زعتري الأوراق والندغ العينتابي والندغ النبطي والندغ البالاري. في مصر وليبيا معروف الندغ الصيفي، وفي بلاد المغرب معروف الندغ السالزماني ابن شبه جزيرة إبيريا.

الزعتر وشبيهاتها والخلط ما بينها

اليوم، يخلط أهل شرق المتوسّط ما بين نباتيّ زعتر التيم والمردقوش، بسبب اختلاط الأسماء ما بين لهجات ولغات هذه المنطقة.

المردقوش
المردقوش

المردقوش نبات عشبي من الشفويات قديم الاستعمال في المطبخ. ومستعمل في كل مطابخ العالم في أوروپا وغرب آسيا وشمال أفريقيا وأمريكا الشمالي ومن آلاف السنين. اسمه اللاتيني {أوريگانُم} Origanum ومنها تحوّر الاسم الإيطالي أوريگانو، وتحتوي الطبيعة من هذه النبتة 54 نوع معروف، يستعمل منهم في المطبخ 17 نوع فقط.

في آسيا ومن آلاف السنين تفرّع عن نفس عائلة الشفويات التي خرج عنها المردقوش Origanum عشبة تانية بطفرة جينية جعلتها دائمة الخضرة وغيّرت طعمها ورائحتها واستعملوها الشامان في العلاجات الطبّية. هذه العشبة التانية هي زعتر التيم واسمها اللاتيني هو Thymus وعنها تحوّر الاسم الإيطالي تيمو Timo. والزعتر عشبة تحتوي الطبيعة منها 350 نوعاً، لكن قلّة قليلة منها مستعملة في المطبخ.

الرومان تعرّفو إلى هذه النبتة في الأناضول وزرعوها لأغراض التجارة في فلسطين وازدهرت فيها وصار الزعتر من أهم صادرات فلسطين بالفترة الرومانية. وبقي الرومان يستوردون الزعتر الفلسطيني، ويميّزونه عن العشبة المحلّية التي هي من عائلة المردقوش الأوريگانو. أمّا العرب، فمن شدّة محبّتهم للزعتر، تراجع اهتمامهم بالمردقوش وطغى الزعتر في مكانه في الكثير من الوصفات.

يعرف الشرق الأوسط كذلك نبتة تسمّى الزعتر الفارسي، وهذا الصنف مختلف عن المردقوش، إنّما هو زعتر التيم البرّي Thymus serpyllum المعروف بين العرب بعدّة أسماء، منها الصعتر والحاشا وصعتر الحمير والصعتر الجبلي وزعتر البر والزحيف. وهاد الزعتر يخطئ بعض الناس بالاعتقاد بأنّه الأوريگانو الإسپاني، لكنّه اسم شائع خطأ، ليس اسم النبات الحقيقي.

الفرق بين الأوريگانو والزعتر
الفرق بين الأوريگانو والزعتر

الأوريگانو المستعمل في المطبخ الإيطالي يسمّى باللّغة العربية المردقوش الشائع، وباللاتينيّة Origanum vulgare، أمّا المردقوش المستعمل في الكبة النية في سوريا فاسمه المردقوش السوري Origanum syriacum.

ويعتقد بعض السوريّين واللبنانيّين أنّ النبتة التي تحمل اسم مَيورنا majorana هي النبتة المعروفة في إيطاليا باسم الأوريگانو لكن هذه النبتة في الواقع هي اسمها العربي هو المردقوش الكبير وباللاتيني Origanum majorana. ومختلفة عن مردقوش الكبّة النية ومختلفة كذلك عن الأوريگانو الإيطالي وغير مستعملة بالمطبخ الإيطالي.

المصدر : https://albukhari.com/8485/

No comments:

Post a Comment

كوزمتكس مريم دعيبس

كوزمتكس مريم دعيبس
كل ما تحتاجينه في مكان واحد

Featured Post

إطلاق حملة "تخضير بلادي" لزراعة 500 ألف شجرة حرجية خلال العام المقبل

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands أطلقت وزارة الزراعة، بالشراكة مع جهاز الدفاع المدني، اليوم الأربعاء، الحملة الوطنية "تخضير بلادي...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????