الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
المشهد الأبرز في قرية قريوت جنوب نابلس هو ما يحدث من عمليات تجريف واسعة ومستمرة، لليوم الثالث على التوالي، إذ تواصل آليات الاحتلال الثقيلة شق الأرض، واقتلاع أشجار الزيتون من جذورها، فيما يقف أهالي القرية على مسافات قسرية يراقبون بصمتٍ ممزوج بالقهر، ما تبقى من تاريخهم الزراعي والإنساني وهو يقتلع أمام أعينهم.
عمليات التجريف، التي بدأت بشكل مفاجئ دون إخطارات مسبقة للأهالي، طالت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وسط تقديرات ميدانية تشير إلى أن المساحات المتضررة تجاوزت 700 دونم حتى اللحظة، مع مخاوف حقيقية من اتساع رقعة الاستيلاء لتشمل أكثر من ألف دونم.
ويقول مسؤول ملف الاستيطان في مجلس قروي قريوت أدهم الجوهري لـ"وفا"، إن الجرافات بدأت عملها في التاسعة من صباح يوم الأحد الماضي، دون أن يكون لدى الأهالي أو المجلس أي قرارات رسمية بعمليات الاستيلاء، موضحًا أن "حارس أمن" مستعمرة "عيلي" المقامة على أراضي المواطنين في قرى الساوية واللبن وقريوت، قد أبلغهم شفهيًا فقط بوجود "قرار محكمة" لإقامة جدار عازل يفصل القرية عن المستعمرة.
وعلى مدار سنوات، استولت سلطات الاحتلال على مساحات شاسعة من أراضي قريوت لصالح إقامة المستعمرات عليها، حيث أنشأت مستعمرة "شيلو" عام 1978 جنوبا، ثم مستعمرة "عيليه" بعد ذلك بستة أعوام إلى الغرب منها، وتمتد على 9 تلال، ثم مستعمرة "شفوت" شرقها في 1995، علاوة على أربع بؤر استعمارية وهي: "هيوفال"، و"جيفعات أرائيل"، و"كيدا"، و"عادي عاد"، وجرى ربطها بطريق استعماري من أراضي القرية.
ويؤكد الجوهري أن المجلس لم يُمنح أي فرصة اعتراض، ولم تصله أي خرائط رسمية، مشيرًا إلى أن الخرائط التي عُرضت عليهم ميدانيًا تُظهر الاستيلاء على جبل كامل، وليس فقط شريطًا لإقامة جدار.
واللافت في هذه العملية أن التجريف طال أراضي مصنفة (B) وفق اتفاقية أوسلو، في سابقة خطيرة لم تشهدها القرية من قبل وفق الجوهري، إلى جانب أراضٍ مصنفة (C) وفق ذات الاتفاقية.
ويشير الجوهري إلى أن أكثر من 700 شجرة زيتون معمّرة اقتُلعت حتى الآن، وآلة الاقتلاع والتدمير مستمرة لليوم الثالث في اقتلاع وتدمير أشجار الزيتون، واللوزيات، والتين، وجدران استنادية تحمي المنازل.
ويؤكد أن من ينفذون عمليات التجريف هم مستعمرون يرافقهم جنود الاحتلال المسلحون، الذين يمنعون الأهالي من الاقتراب، أو حتى محاولة توثيق ما يجري.
وتبلغ مساحة أراضي قريوت نحو 22 ألف دونم، 10% منها فقط مصنف (B)، فيما يسيطر الاحتلال فعليًا على الغالبية العظمى ضمن المنطقة المصنف (C)، إلى جانب إقامة ثلاث بؤر رعوية جديدة منذ الحرب على قطاع غزة في الـسابع من شهر أكتوبر عام 2023، على أراضٍ خاصة، وفق ما يؤكد الجوهري.
وتقول المسنة أم مجدي عبد الغني، وهي تقف بجوار منزلها تراقب الأشجار تُقلع واحدة تلو الأخرى، إن ما يجري يفوق الوصف، بصوت يختلط فيه الألم بالبكاء، تعبّر عن شعورها بأن ما يُقتلع ليس مجرد زيتون، بل جزء من روحها وتعب عمرها الذي يختفي في لحظات.
وتشير إلى الأرض التي تحولت إلى أكوام تراب، مؤكدة أن هذه الأشجار رافقت العائلة منذ عشرات السنين، وكانت سندهم في الحياة، وأن العجز عن حمايتها أشد قسوة من الفقد نفسه.
وعلى أطراف الأراضي المجروفة، تقف أم الحاجة خديجة محمود فوق بقايا الجذور المقتلعة، وتقول إن القرية استيقظت فجر يوم الأحد على صوت الجرافات التي تنهش تعب العمر والسنين.
وتضيف "ابنك وأرضك نفس المعزة، يوم ما أطلعت الصبح وشفت التدمير والاقتلاع قلبي تمزع، كل شجرة لها ذكريات مثل ما تربي ابني الصغير، ما حصل كارثة".
وتتحدث عن سنوات من الاعتداءات المتكررة، من الحرق إلى المنع من الوصول، وصولًا إلى الاقتلاع الكامل، وكأن الأرض لم يعد مسموحًا لها أن تتنفس.
وتؤكد أن الزيتون كان آخر ما تبقى للأهالي بعد أن ضُيّقت عليهم السبل، حتى المياه، ومع وصول التجريف إلى مسافات خطيرة من المنازل، تتعاظم المخاوف من مخططات توسعية جديدة تهدد الوجود السكاني نفسه.
من جهته، تحدث المواطن محمود قريوتي لـ"وفا"، وأحد المتضررين من عمليات التدمير، إن أرضه تقع في المنطقة المصنفة (B)، ويملك أوراقًا رسمية ورخص بناء لمنزلين قائمة منذ سنوات طويلة، ومع ذلك جرى التجريف دون أي إخطار.
ويتحدث عن تهديدات مباشرة بالسلاح من حارس المستعمرة، ومنع قسري من الاقتراب من عمليات التجريف، في ظل وجود دائم للجنود والمستوطنين المسلحين.
ويؤكد أن عائلته تعيش في هذه الأرض منذ ما قبل النكبة، جيلاً بعد جيل، لكن كل ذلك لم يشفع لها أمام آلة التدمير، منوها إلى أن جده بنى أول منزل في قطعة الأرض خاصته والمكونة من 23 دونما عام 1939 فيما بنى والده منزل العائلة في عام 1950، ويملك أوراق ثبوتية ورخص بناء.
وأعلنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في 19 تشرين أول الماضي عن استيلاء سلطات الاحتلال على 70.147 دونماً من خلال أمر وضع يد لأغراض عسكرية وأمنية من أراضي قرى قريوت واللبن الشرقية والساوية في محافظة نابلس، لصالح إقامة منطقة عازلة حول مستعمرة "عيلي".
وتشير المعلومات الواردة في الأمر العسكري الذي حمل الرقم ت/136/25 إلى أن الأمر يسري حتى تاريخ 31/12/2027 من تاريخ توقيعه، في حين أشارت البيانات المتوفرة في مرفقات الأمر إلى أن مدة الاعتراض تأتي أسبوع من تاريخ إصدار الأمر علماً أن التاريخ المذيل بالأمر العسكري يعود إلى تاريخ 21 أيلول، 2025، أي أن دولة الاحتلال قامت بنشر الأمر العسكري بعد انقضاء المدة المحددة من أجل الاعتراض.
وعلى صعيد المعلومات المكانية، فإن مجمل مساحة الأمر المحددة في الوثيقة بلغت 70 دونماً و147 متراً، جرى تخصيص 15.778 دونماً من أراضي مصنفة أصلاً كأراضي دولة لصالح الأمر العسكري، في حين استولت دولة الاحتلال ما مجموعه 54.368 دونماً، وفق الأمر الجديد.
وتشير بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن دولة الاحتلال أصدرت منذ مطلع العام 2025 ما مجموعه 53 أمراً لوضع اليد لأغراض عسكرية متعددة الأغراض، في تكثيف ملحوظ لاستخدام هذا النوع من الأوامر الذي يتذرع بالحجة العسكرية؛ للسيطرة على الأراضي الفلسطينية.
نقلا عن وكالة وفا الإخبارية

No comments:
Post a Comment