نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

شركة كسابري للتجارة و الصناعة

شبكة صبا الإعلامية

شبكة صبا الإعلامية

Sunday, October 12, 2025

ما بين عقيدة الضاحية وعقيدة جباليا وجزِّ عنق البيئة الفلسطينية

الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



 في سياقات الحروب المعاصرة، غالبًا ما تتراجع الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية، وتصبح البيئة ضحية إضافية للعداء. إذ لم تعد الخسائر المادية والبشرية وحدها هدفاً من أهداف الصراع، بل بات الإضرار بالبيئة وسيلة لتقويض قدرة الطرف الآخر على الصمود من خلال تدمير البنى التحتية، المحاصيل، والمساحات الخضراء، وحتى استنزاف مصادر المياه. هذا الاستخدام المتعمد للبيئة كساحة للحرب لا يقتصر على أضرار فورية، بل يترك تبعات طويلة الأمد يصعب معالجتها.

و"الإرهاب" البيئي أضحى نهجاً، صمتت أمامه العديد من أصوات المدافعين عن حقوق البيئة؛ فعندما تتكلم السياسة والمصالح الشخصية والمادية يُنصت الجميع، وتتغير المواقف؛ فتُحول الأحداث وتُجيَّر السرديات لصالحه..

هناك دوماً عقيدة متطرفة يؤمن بها المحتل ويعمل على اتِّباعها، مهما بلغ مقدار توحشها ولا إنسانيتها وحجم الدمار المتسببة بها، للوصول لمآربه وتحقيق غاياته، وإلا: فلماذا هذا التدمير الذي طال كل شيء؟ بيوت، شوارع، مؤسسات مدنية، مدارس، بيوت عبادة، حدائق، مشافي ومراكز صحية، بُنى تحتية، بيئة، أشجار ومزارع وحقول، وحتى حيوانات...

خلاصة الاستراتيجية التي دأب الاحتلال على التخطيط لها وتوظيفها في صراعه الطويل مع أصحاب الأرض: اجتثاثهم وإحلال نفسه مكانهم بكل السبل المتاحة والمبتكرة أيضاً.

وفي مقابلة بتاريخ 3 أكتوبر2008 أجرتها صحيفة يديعوت أحرونوت مع غادي أيزنكوت (قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال خلال العدوان على لبنان عام 2006) وعراب "عقيدة الضاحية"(الاستراتيجية التدميرية)، وردَّاً على سؤال حول ما إذا كان يدعو هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي والمؤسسة السياسية إلى فرض عقوبات صارمة على أي قرية لبنانية تُطلق منها النيران، قال: "هذا ليس مجرد اقتراح، بل هو خطة تمت بالفعل المصادقة عليها"!

وأضاف: "أُسمي ذلك" عقيدة الضاحية"، فما حدث في الضاحية الجنوبية في بيروت هو ما سيحدث لأي قرية لبنانية يُطلق منها النار على إسرائيل. سنقابلها بقوة غير متناظرة ونتسبب لها بأضرار ودمار بالغَين. وسيغدو الحديث من ناحيتنا يدور عن قواعد عسكرية، لا عن قرى مدنية".


مياه الصرف الصحي والنفايات تتراكم في قطاع غزة وتهدد الصحة العامة نتيجة العدوان الاسرائيلي على غزة

عقيدة الضاحية وعقيدة جباليا.. هل هناك فرق؟ أم هي العقيدة ذاتها؟

تتجسد" عقيدة الضاحية" بتوظيف استراتيجية عسكرية ترتكز على استخدام القوة المفرطة والمدمرة ضد المناطق المدنية التي يُعتقد أنها تؤوي أو تدعم "قوى معادية" وتحتضنها؛ تُستهدف بمقتضاها البنية التحتية المدنية، ويُنظر إليها على أنها بُنى "إرهابية"، فالحيِّز المدني الفلسطيني هنا يُعتبر امتداداً عسكرياً للخصم، بل هو عدو محتمل له ما يُبرر الشكوك حوله، وحري به أن يغدو جزء من عمليات الردع والاستئصال.

المناطق المدنية في عقيدة الضاحية تُعامل على أنها ثكنات حربية، ينطبق عليها ما ينطبق على المناطق العسكرية، وذلك لردع السكان ودفعهم إلى الخنوع للمحتل في مناطقهم من تلقاء أنفسهم؛ لأنهم سيدركون حجم الخسائر التي ستلحق بهم إن سمحوا لأي نوع من الفعل المقاوم أن ينطلق من أراضيهم. اعتمدها جيش الاحتلال في الضاحية الجنوبية من بيروت أثناء العدوان على لبنان في تموز 2006.

أما "عقيدة جباليا" فتتخذ من الإبادة الجماعية استراتيجية عسكرية ونهجاً يتجلى في الاستهداف العسكري المباشر للأحياء المدنية والتجمعات السكانية المكتظة بالكامل دون أي اعتبار لكونهم مدنيين، وتشريد من تبقى من السكان، بعد محاصرتهم بالقوة، وبذل الجهود المضنية لتهجيرهم.

في عقيدة جباليا لم يعد الاحتلال يكتفِ بتدمير جزئي انتقامي للبيئة، بل اتبع استراتيجية المحو الكامل للبيئة بهدف إلغاء الوجود المادي والمعنوي والسياسي والاجتماعي للسكان.

ما يميز هذه العقائد أن البيئة تُحوَّل من ساحة معركة إلى أداة للقتل ووسيلة للعقاب الجماعي، فالأمر يتجاوز البعد العسكري، ويتخطاه إلى محاولات التخلص من البنية البيئية والإنسانية والاجتماعية بالكامل، وتعزيز الردع لتحقيق كيَّاً للوعي عبر ـتدمير كامل للبنى المدنية في المنطقة التي انطلق منها الهجوم، دون تمييز بين المدني والعسكري، وصولاً إلى تفكيك البيئة الديمغرافية والإيكولوجية والاجتماعية الحاضنة.

فالقضاء على البنية البيئية والبشرية المدافعة عن الأرض واسترداد الحقوق المسلوبة، أصبح مطلباً سامياً ومشروعاً للاحتلال، وله داعموه من قادة العالم ومؤسساته، بل إن هذا التدمير الوحشي لا يزال البعض يعتبره دفاعاً عن النفس، ويستسلمون أمام الأعداد المرعبة من الشهداء( الأطفال والنساء والشيوخ) والجرحى وأعداد البيوت المدمرة، دون أن تُحرك ضمائرهم سياسات التجويع المنظم للمدنيين والحرمان من العلاج وأبسط الحقوق الإنسانية الأخرى التي ضمنتها كافة الأعراف والقوانين الدولية.

غدت البيئة إحدى ضحايا الاستهداف- مثل الإنسان سواء بسواء- بالقصف العشوائي والأسلحة الثقيلة والأسلحة السامة والمحرمة دولياً التي تترك مخلفات حرب من ذخائر غير منفجرة، ومواد كيميائية، ويورانيوم منضب، وفسفور أبيض... الخ، وتبقى هذه المخلفات لتلوث الأرض والنظم الإيكولوجية بلا استثناء، بعناصر ثقيلة وسامة، تُفرض باستهتار وإصرار، لتظهر آثارها المدمرة على المدى الطويل حتى بعد انتهاء الحرب وانسحاب الجيش؛ حيث تُحول المناطق المأهولة إلى مناطق موت بيئي بطئ، تبرز فيها زيادة مخيفة في الإصابة بالسرطانات والتشوهات الخلقية للأجنة، وأمراض لا يجد الأطباء تفسيراً منطقياً لها سوى آثار الحروب الماضية والتي استعملت أسلحة غير تقليدية، ناهيك عن تأثيرات نفسية قد تتوارثها الأجيال دون وعي منها.

وقد ظهر التدمير المباشر للأنظمة البيئية في لبنان وقطاع غزة بعد اعتداءات متكررة وخاصة العدوان الأخير على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي نال من البيئة بشكل كارثي وهائل بالقصف، والتفجير، وتحرُّك الآليات الثقيلة وأدَّى إلى تآكل التربة، وتدمير الغطاء النباتي، وتلويث مصادر المياه والحقول والمزارع والهواء والماء.

ولا يغيب عن أذهاننا في هذا السياق أن الاحتلال ينتهج تهجير السكان في المناطق المستهدفة عبر الضغط البيئي، حيث إن تدهور البيئة بفعل العدوان يجعل مناطق كاملة غير صالحة للسكن، كما حصل في الشجاعية وخان يونس وبيت حانون في قطاع غزة، وبعض القرى في الجنوب اللبناني والتي عانت من التلوث وخطر القنابل العنقودية، ما يضغط على السكان وقد يدفعهم إلى الرحيل، ليس فقط بسبب العدوان والقصف، بل لأن الموارد الأساسية من ماء وهواء وتربة أصبحت ملوثة وغير متاحة للاستخدام البشري  بصورة آمنة. نقلا عن مجلة آفال البيئة و التنمية 


نوفمبر 2024- مدينة صور اللبنانية- حفرة ناتجة عن قصف عسكري اسرائيلي، امتلأت بمياه البحر

تقارير تحذر وتنذر من الإرهاب البيئي لدولة الاحتلال

برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) وبعد حرب 2006، حذر من  "الضرر البيئي الذي تسببت به الحرب على لبنان والذي قد يمتد لأجيال". كما أشار تقرير للبرنامج ذاته إلى أن الحرب، على الرغم من قصر مدتها (34 يوماً)، إلا أنها تسببت بأضرار بيئية جسيمة: تلوث التربة، المياه، الهواء، وتدمير البنية التحتية.

تقرير آخر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تم إعداده بناءً على طلب رسمي من دولة فلسطين ونُشر في 18 حزيران 2024 حول تبعات الإرهاب البيئي على قطاع غزة، أشار إلى أن العدوان فتح مسارات جديدة لتلوث التربة، المياه، والهواء، في مستويات غير مسبوقة مقارنة بسوابق أخرى؛ حوالي 39 مليون طن من الأنقاض تُركت جراء القصف حتى تموز 2024، بمعدل أكثر من 107 كجم أنقاض/م² ، وحدث تدمير لمحطات معالجة مياه الصرف وكامل البنى التحتية للمياه والصرف الصحي، ما أدى إلى تسرب مياه ملوثة إلى الأرض والبحر، دون اعتبار لوجود شوائب خطيرة مثل الميكروبات والمركبات الصناعية ووجود ملوثات بيئية خطيرة، مثل الأسبستوس، المعادن الثقيلة، الذخائر غير المنفجرة والمواد الكيميائية والتي تركزت في التربة والمياه الجوفية وهواء غزة.

وتوقع التقرير أن يستغرق تنظيف الأنقاض حوالي 14-15 عاماً، وهو ما يتطلب موارد مالية ضخمة.

ونوه التقرير إلى حدوث انهيار كامل لشبكات الكهرباء والطاقة المتجددة كالألواح الشمسية، ما أدى إلى تسرب رصاص ومعادن أخرى من البطاريات للبيئة وأدى إلى حرمان السكان من الطاقة النظيفة.

منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة حذرت من أن الكثافة السكانية المرتفعة مع نقص المياه والصرف الصحي تشكل وصفة مثالية للأوبئة، مثل الإسهال، التهاب الجهاز التنفسي، الجرب وجدري الماء. فبسبب نقص الوقود، توقفت المشافي ومحطات المياه، ما أدى إلى تفاقم الوضع الصحي (من ارتفاع نسبة الإسهال بين الأطفال، وانتشار الأمراض التنفسية).

جيف هالبر الكاتب والناشط اليهودي الأميركي المعروف أشار إلى أن استخدام الهدم والتدمير البيئي والتجويع ليس عشوائياً بل هو جزء من هندسة استعمارية طويلة الأمد.

خلاصة

في استهداف ممنهج للتربة والماء والهواء وكل مظاهر الحياة، هذا الإرهاب البيئي يرسخ واقعًا من الموت البطيء، إذ تتحول الأرض إلى منطقة غير صالحة للسكن والإنتاج، وتُمحى ذاكرة المكان التي تشكل جوهر الهوية والانتماء. كجزء من استراتيجية عسكرية طويلة الأمد تستهدف الإنسان الفلسطيني والعربي ومحيطه البيئي والحضاري والاجتماعي بأساليب الحرب، وليِّ عنق القانون، والاستيطان المكثف.. وفي المحصلة، عملية "استئصال" إيكولوجية وبشرية، بهدف إعادة تشكيل المكان وكل ما يحويه من موارد طبيعية، بما يخدم المشروع الكولونيالي.

No comments:

Post a Comment

كوزمتكس مريم دعيبس

كوزمتكس مريم دعيبس
كل ما تحتاجينه في مكان واحد

Featured Post

الأغذية المعدّلة جينيًا في الأراضي الفلسطينية والعودة للأصول البلدية

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands بعيدا عن الغش التجاري ما هو الغذاء الحقيقي؟ تقرير خاص بمجلة آفاق البيئة و التنمية  بالملاحظة السريعة والم...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????